كلّ شيء كان يوحي بأنّ سهرة الغيوان التي ستتكلّف التّلفزة المغربية بنقلِ أطوارها مباشرة للمشاهدين ستكون مختلفة من حيثُ الشّكل ومن حيث مضمون الأغاني التي ستقدّم في تلك الأمسية من عام 1986، فقد كان الإعلام تابعاً لسلطة الدّاخلية، التي كان يسيّرها آنذاك إدريس البصري، وأيّ خروج عما “يُفترض أن يقدّم” في إطار التّرفيه، قد يؤدّي إلى عقاب قاسٍ، من باب “الاحتياطِ”.

كانت هذه المرّة الأولى التي سيلاقي فيها المشاهد المغربي أفراد الغيوان على شاشة التّلفزيون الرّسمي، بعد سنوات من “التّهميش والانتظار”، قضاها رفاق “العربي باطما” منزوين عن الأنظار، قبل أن تقرّر السّلطة المصالحة مع هذا النوع من الأغاني، من خلال استضافة المجموعة في عدد من السّهرات والمهرجانات.

ولأنها كانت ترتبط بوجدان شعب يبحث عن قدره وسط زحمة الانشغالات اليومية اللامتناهية، قرّرت الغيوان أن تغنّي همومه ومشاكله حتّى في أشدّ اللحظات حساسية، وهو ما يعكسه إلحاح أفراد المجموعة على أداء أغاني ذات حمولة سياسية خلال أول سهرة لهم تنقلها التلفزة المغربية، غير أن “الداخلية” رفضت التّأشير على الأمر.

وتعود تفاصيل القصّة إلى عام 1986، ويحيكها سعيد محافظ، مرافق مجموعة ناس الغيوان، قائلا: “قبل ساعات قليلة من انطلاق الحفل الذي كان يحيه أفرادُ الغيوان، بمشاركة باز وبزيز، ونجاة اعتابو وثريا جبران، اتّصل بي عمر السّيد في الهاتف، وقال لي: ‘هذه أول حفلة لناس الغيوان تُنقل مباشرة، ولهذا وجب علينا أن نبذل مجهودا مضاعفا’، لأن الكل كان وقتها يتابع سهرات السبت”.

خلال بداية الحفل، كان الجمهور الرّباطي يصيح بأعلى صوته “وا الغيوان وا الغيوان”، وتضايقت ثريا جبران، التي كانت مكلّفة بالتقديم، من هذا الفعل، وقالت مخاطبة الجمهور: “الغيوان جايين”، دون أن تخفي اندهاشها من طلب الجمهور ظهور مجموعة الغيوان حتّى قبل بداية الحفل.

ويحكي محافظ، في دردشة رمضانية مع جريدة هسبريس الإلكترونية: “لما حان دور ناس الغيوان، ارتأت المجموعة أن تستهل حفلها بأغنية يا بني إنسان، وكانت بالنّسبة لي مفاجأة، وأحسست بأن شيئا ما يحدث خلف الكواليس، لأنه معروف أن الغيوان تفتتح سهراتها بأغنية ‘سبحان الله’ التي تضمّ مقطع ‘الحاكم كايصول كيقبط الرشوة’”.

وبعد انتهاء أغنية “سبحان الله” قرّرت المجموعة أداء أغنية “تاغنجا” بدل أغنية “البطانة” كما هو معروف في ترتيب أغاني المجموعة خلال السّهرات الفنية. ويقول محافظ الذي كان حاضرا في تلك الأمسية: “استغربت التغيير الحاصل في برنامج الأغاني”، وزاد: “انتهت السهرة، وتسللت أخيرا إلى الكواليس، وأول من التقيت به هو صديقي إبراهيم هبرات، مرافق ناس الغيوان، ونصحني بالانصراف، لأن أعضاء المجموعة كانوا غاضبين”.

ويستطرد محافظ في شهادته: “لما سألت عن سبب تعكّر مزاج المجموعة الغيوانية بعد نهاية الحفل، قيل لي إن هناك من اتصل بعمر السيد قُبيل الحفل بدقائق وطالبه بالامتناع عن أداء أغان سياسية، كأغنية ‘سبحان الله’ و’البطانة’، والاكتفاء بأغاني الحبّ والتراث”.

“بعد مرور سنتين على الواقعة، أي عام 1988، وفي المكان نفسه، ستفرض مجموعة ناس الغيوان برنامجها وستغني ‘سبحان الله، البطانة، نادي أنا والهمامي’، ونقلت السّهرة على المباشر، ولاقت نجاحا كبيرا وتكلم الكثيرون عنها في صباح اليوم الموالي”، يقول محافظ.

hespress.com