لا تزال التطورات التي يشهدها ملف الصحراء المغربية على مستوى الاعتراف الأمريكي واستئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب تخيف نظام العسكر في الجزائر؛ فقد بدا صبري بقدوم، وزير الخارجية الجزائري، مرتبكاً وهو يرد على أسئلة الصحافة بشأن التحديات القادمة من الجوار.
وقال وزير الخارجية الجزائري، جواباً عن سؤال صحافي حول عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية وإمكانية إنشاء قواعد إسرائيلية على الحدود الغربية مع الجزائر: “لم نخف في الثورة من الاستعمار الفرنسي الذي كان معه الناتو وأكثر من 550 ألف جندي، ولن نخاف اليوم”، مضيفاً: “الجزائر التي لم يهزها الاستعمار والناتو لن يهزها الصهاينة ومن تحالف معهم”، في إشارته إلى المغرب.
خطاب عسكري
وفي رده على تصريح سعد الدين العثماني الذي استنكر فيه تجنيد الجزائر لأجهزتها الإعلامية الرسمية لنشر الأخبار الزائفة عن الوضعية في الصحراء المغربية، قال بقدوم إنه لم يطلع على تصريح رئيس الحكومة المغربية؛ لكنه قال: “ولا وزير أول أجنبي أو رئيس في الخارج ممكن يسيء بأي طريقة إلى الجزائر”.
وأضاف المسؤول ذاته: “الجزائر دولة قوية، ولها تاريخ نضالي كبير ضد الاستعمار، ولديها جيش قوي وإدارة قوية، ولا ينبغي الخوف من التحديات”، مستطردا بالقول إن هذا “لا يعني التقليص من حجم التحديات؛ لكن لا ينبغي الخوف منها”.
الوزير بقدوم أوضح أن “الجزائر لها حدود مع سبع دول، وهي دولة تدعو إلى السلام وتعمل على إحلال السلام في جوارها وحل كل النزاعات الموجودة سواء في ليبيا ومالي”، مشيرا إلى أن الجزائر “تتابع الانتخابات في النيجر، كما تتابع الوضع في الصحراء الغربية وموريتانيا وعلى البحر الأبيض المتوسط”، بتعبيره.
وتعيش الجزائر تحولات سياسية مثيرة عقب مرض الرئيس عبد المجيد تبون وإبعاده إلى الخارج لفترة طويلة ثم عودته إلى البلاد وهو مكسور الرجل اليمنى، بالإضافة إلى عودة رموز نظام بوتفليقة إلى الواجهة السياسية؛ من قبيل الجنرال خالد نزار، ثم تبرئة المحكمة العسكرية الجزائرية لكل من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، والجنرالين توفيق وطرطاق، ولويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال، في قضية “التآمر على الجيش والدولة”.
وارتفعت حدة التصريحات العدائية تجاه المملكة المغربية من قبل المسؤولين الجزائريين بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وعزم واشنطن إطلاق مشاريع استثمارية ضخمة في القارة الإفريقية انطلاقا من المغرب؛ وهو ما يكرس عزلة إقليمية حقيقية للجزائر على المستوى الدبلوماسي والسياسي.
وكان سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، أكد أنه لم يؤيّد أي بلد في العالم أعمال زعزعة الاستقرار التي قامت بها الجبهة الانفصالية في معبر الكركرات، باستثناء الجارة الجزائر.
وشدد على أن الجزائر جندت الأجهزة الإعلامية الرسمية لنشر الأخبار الزائفة عن الوضعية في الصحراء المغربية، في إطار حملة ممنهجة يتم التصدي لها واحتواؤها عبر الصحافة الوطنية والجهاز الدبلوماسي المغربي.
الجزائر والنفق المظلم
وقال عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، إنه في الحقيقة لا تمتلك الجزائر دافعا موضوعيا لقيادة حملة إعلامية رسمية تنشر أخبار زائفة بغرض الإساءة والتشهير بالمملكة المغربية، مشيرا إلى أنه “في وقت تواصل المملكة المغربية الالتزام بمبادئ حسن الجوار، فإن الأجهزة الرسمية الإعلامية تصر على تسميم العلاقات البينية ومناصبة العداء للمملكة المغربية”.
وأوضح الخبير في شؤون الصحراء، في تصريح لهسبريس، أن تصريحات الوزير صبري بقدوم تكشف أن “الجزائر لا تمتلك مسوغات تبني سياسة الاحتراب ضد المملكة المغربية؛ وهو ما يظهر من خلال مشاركة الدولة في حملة التشهير الإعلامية ضد المملكة المغربية بلا صك اتهام ولا تستند على أي أساس موضوعي”.
وأورد الفاتيحي أن استقواء وزير الخارجية الجزائري بالخطاب العسكري في جوابه عن تداعيات الحملة الإعلامية الجزائرية فيه “مساعٍ مناصبة العداء لدولة جار والسعي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، ومعلوم أن الجزائر تجرب أعمال زعزعة الاستقرار في المنطقة عبر المليشيات العميلة لها الممثلة في جبهة البوليساريو”.
إن واقع الارتباك بدا واضحا بعد فترة غياب الرئيس عبد المجيد تبون في رحلة علاج طويلة، وحينها تمت مراجعة مستقبل نظام الحكم، والذي خلص إلى إعادة العهد القديم عبر مصالحة مبهمة لاستعادة ما يعتقده العسكر الجزائري “أمجاد الجزائر التاريخية”، يوضح الخبير الفاتيحي.
وشدد المتحدث على أن تصريحات صبري بقدوم تعكس أيضاً “انعدام بوصلة الخروج من الأزمة السياسية الداخلية للجزائر. ولذلك، لا يجد غير مشجب مناصبة العداء للمغرب ليتم تعليق عليها مخرجات الحل السياسي الفاشل، والمحاصر بالحراك الذي يرتقب عودته قويا بعد الحجر الصحي لكورونا”.