خلصت جل التقارير المنشورة من قبل المؤسسات الدستورية إلى أن تجربة التدبير المفوض “فاشلة” بالمغرب، بل حتى الهيئات الرسمية باتت مقتنعة بأزمة تسيير المرافق العمومية من قبل الخواص، ما جعل كثيراً من الخبراء الاقتصاديين يطالبون بالتخلي عن هذا الخيار الذي نهجته الدولة في سياق الأزمة المالية التي عرفتها في سبعينات القرن الماضي.

ودفعت المديونية العمومية المتضخمة، المترتبة عن اختلال تدبير الدولة للمؤسسات العمومية، إلى اعتماد سياسات التقويم الهيكلي التي حثّت على خوصصة تلك المؤسسات، تكريساً لتوصيات الهيئات المالية الدولية التي شجعت آنذاك على اقتصاد السوق.

وبعد مضيّ عقود على تفويت مجموعة من القطاعات الحيوية لشركات خاصة، لا سيما ما يتعلق بخدمات التطهير والنظافة، فضلا عن التزود بالماء والكهرباء، أصبح الرأي العام الوطني يطرح تساؤلات عدة بخصوص مدى نجاعة التدبير المفوض في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين.

التساقطات المطرية الأخيرة جعلت جزءا كبيرا من المواطنين المغاربة يقتنعون بـ”فشل” التجربة، اعتباراً لعدم احترام الشركات المعنية لدفاتر التحملات المحددة للجوانب الاستثمارية، وامتداد العقود المبرمة لسنوات طويلة؛ ففي مجال النقل على سبيل المثال، تصل تلك العقود إلى عشر سنوات، فيما يتقادم أسطول الشركات بعد مرور خمس سنوات فقط من اشتغالها.

وقال عمر الكتاني، خبير دولي في المجال الاقتصادي، إن “المسؤولين المغاربة تحكُمهم عقدة النقص حيال الشركات الأجنبية، فرغم الاتفاق على دفاتر التحملات التي تحدد العلاقة بين الطرفين، غير أنه لا تتم متابعتها في حال الإخلال ببنوده”.

وأوضح الكتاني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “عقدة النقص تتمثل في تفضيل الشركات الأجنبية على نظيراتها المغربية، ذلك أن أغلب الشركات التي تشرف على التدبير المفوض تنحدر من فرنسا، فيما نتوفر على شركات وطنية أفضل منها”.

وشدد الخبير الاقتصادي على أن “طريقة تدبير شركات التدبير المفوض للمرفق العمومي تختلف ما بين الرباط والدار البيضاء، نظرا لتخوّفها من السلطة العليا في العاصمة”، مبرزاً أن “إشكاليات الرقابة والمتابعة والمحاسبة ما زالت مطروحة بشدة في المجال التدبيري بالمغرب”.

وبالإضافة إلى الانتقادات الموجهة إلى الجهات الوزارية من جهة، وشركات التدبير المفوض من جهة ثانية، فإن الجمعيات المدنية، ومعها المواطنين، تتحمل قسطا من المسؤولية أيضا، بفعل “ضعف” الترافع الميداني تجاه القضايا التي تهمّ التدبير العمومي لمرافق الدولة.

وفي هذا الصدد، شرح الكتاني بأن “الضغط الاجتماعي ليس حاضرا بالشكل المطلوب، ما يسلط الضوء على غياب المسؤولية الذاتية كذلك في المجتمع، بفعل ضعف روح التعاون والمبادرة”، مؤكداً أن “الدولة بنفسها تريد تأميم العمل الاجتماعي، ما أدى إلى إضعاف ثقافة المبادرة عند المواطن”.

وخلص الخبير الاقتصادي إلى أن “الكوارث تفضح سوء التسيير العمومي بالمغرب، لكن لا يتم تحميل أي شخص مسؤولية ما يقع، سواء بتقديم استقالة أو متابعة قانونية، وهو ما نلمسه في عدم فتح تحقيق رسمي بشأن ما حدث في مدينة الدار البيضاء رغم المليارات التي صُرفت على الشركة”.

hespress.com