يتشبث محمد كنون، الخبير الدولي المغربي المقيم بكندا والمنحدر من فكيك، بأحقية أهل العرجا وفكيك في أملاكهم وأراضيهم المكفولة بسندات ملكية قانونية سليمة ورسائل سلطانية تعود إلى بدايات القرن الماضي. كما أنه يرجع السبب فيما يقع اليوم إلى الغموض الذي اكتنف تنزيل الاتفاقية المنظمة للحدود المغربية الجزائرية، والانتقائية التي تعاملت بها الجزائر مع بنود هذه الاتفاقية.

هسبريس التقت محمدا كنون بكندا وأجرت معه الحوار التالي، الذي يطرح فيه الحل للخروج من هذا الوضع.

هل يمكن أن تحدثونا عن المعاهدات المنظمة للحدود بين المغرب والجزائر؟ وما هو دورها فيما تعيشه العرجا اليوم؟

أولا، أود أن أساهم، من خلال جريدة هسبريس، في تنوير الرأي العام الوطني والدولي حول المسألة الحدودية بالمغرب؛ فحقيقة، هذا الموضوع ظهر بشكل جلي بعد القرار الجزائري القاضي بترحيل مواطنين مغاربة عزل من أراضيهم بالعرجا في فكيك يوم 18 مارس 2021. تعلمون أن الحدود بين المغرب والجزائر تنظمها اتفاقيات قديمة تعود إلى مرحلة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والمعاهدة الأصل هي معاهدة لالة مغنية الموقعة يوم 18 مارس 1845، يعني في نفس يوم ترحيلهم أهل العرجا؛ فاتفاقية لالة مغنية هي الاتفاقية الأم والأصل. وأكيد أن المغرب وقع عليها على مضض؛ لأننا إذا رجعنا سنة واحدة قبل هذه المعاهدة، أي سنة 1844، سنجد معركة إيسلي بين المغرب وفرنسا في الجزائر، والجميع يعرف نتائج هذه المعركة. فهذه الاتفاقية حددت، بطبيعة الحال، الحدود المغربية؛ ولكن ليس بطريقة واضحة, يعني أنها كانت تعتمد على تحديد بعض النقط أو القصور التي تنتمي إلى الجزائر وبعض النقط والقصور التي تنتمي إلى المغرب. وشاءت الأقدار أن قصر إيش وفكيك حددا بأنهما أرض مغربية. وبعد استقلال الجزائر، تأتي اتفاقية 1972، وتسمى اتفاقية إفران، وهي سارية المفعول باعتبار أن الطرفين صادقا عليها؛ لكن بدل أن تحل المشاكل أعطتنا نوعا من الغموض. وما أريد أن أؤكد عليه هو أن تصدير اتفاقية 1972 يشير إلى ثلاث اتفاقيات مؤسسة وأساسية؛ وهي اتفاقية لالة مغنية الموقعة يوم 18 مارس 1845، واتفاقية 20 يوليوز 1901، واتفاقية 20 أبريل 1902. وحسب القانون الدولي والأعراف المعمول بها، فهي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الاتفاقية القائمة الآن، وهذا ما يؤكد استمرارية النص القانوني الذي بدأ مع لالة مغنية سنة 1845 وتمم سنة 1901 وبعده سنة 1902، وينتهي بنا المطاف بالاتفاقية التي عليها نقاش اليوم؛ وهي اتفاقية 1972، التي صادق عليها الطرفان ونشرتها الجزائر سنة 1973 والمغرب لم ينشرها إلا سنة 1992.

هل المعاهدات اللاحقة عدلت أو نسخت معاهدة لالة مغنية؟

لا، لم يتم النسخ, بل تم التعديل؛ ولكن مع الاحتفاظ بالمواد الأساسية. أعطيك مثالا بسيطا، فاتفاقية لالة مغنية كانت عامة بما أنها حددت فكيك وإيش كمنطقتين فقط كنقطتي حدود؛ لكن لم تعطيهما أي قطر.. فما معنى فكيك؟ هل هو نقطة قطرها متر واحد؟ أو خمسون كيلومترا؟ هذا اللبس جاءت اتفاقية 1901 لترفعه شيئا ما، وتقول في الفصل الثالث بالحرف: إن لأهل فكيك الحق في استغلال أملاكهم ومزارعهم وحقولهم حيثما وجدت، حتى وراء الحدود الفرنسية آنذاك والحدود الفرنسية شرقا مذكورة بما وراء السكة الحديدية الرابطة بين عين الصفرا وبني ونيف في اتجاه كولون بشار؛ وهي تبعد عن حدود فكيك الآن بـ10 كيلومترات إلى 15 كيلومترا. إذن، فرنسا ضمنت لأهالي فكيك حق التصرف في أملاكهم. وبما أن هذه الاتفاقية هي جزء من اتفاقية 1972 نرى أن الجزائر تتعامل بانتقائية معها, يعني أنها تقول إنها تلتزم بوضع خط حدودي في الأرض؛ ولكن في الوقت نفسه تصادر حقوق الملكية للمواطنين كما أقرتها الاتفاقية.

تقولون إن هنالك غموضا يشوب هذه الاتفاقيات، كيف ذلك؟ وما هي أسسه؟

لكي نركز على الغموض الحاصل نقول إنه، إلى حدود استقلال الجزائر، كان أهالي فكيك يتحركون ما وراء الحدود بدون أي إشكال ولا أي رد فعل من السلطات الجزائرية. كذلك اتفاقية 1972، على علتها، هناك غموض في تنزيلها على الأرض؛ فالحدود التي وردت في الاتفاقية الحالية التي أظهرت لنا مشكل العرجا مثلا لم يكن يجب أن تمر في المكان الذي تريده الجزائر، لأن الحدود هي ما وراء العرجا باثنين أو ثلاثة كيلومترات، في حين أن الجزائر متشبثة باعتبار الجهة الشرقية للواد هي أرض جزائرية والجهة الغربية للواد نفسه هي أرض مغربية.. وهذا ليس صحيحا؛ لأنه لم يرد في اتفاقية 1972؛ بل واد زوزفانا المعروف في الكتابات والأرشيف الفرنسي يمر بهذه المنطقة لم يذكر بل تم الحديث عن واد غير مسمى، وتم الحديث عن كثبان رملية. وأنتم تعلمون أن الكثبان الرملية ليست معلما قارا. هذه هي أسس الغموض.

بالإضافة إلى الجغرافيا، هل هناك وثائق تاريخية تثبت ارتباط فكيك والعرجا بالمغرب؟

أريد أن أؤكد أن هناك وثيقة أساسية هي رسالة السلطان المغربي الحسن الأول سنة 1891، وأكيد أنه بين سنتي 1845 و1972 هناك وثائق كثيرة, وهذه الرسالة تدل وتنص بما لا يدع مجالا للشك على أن منطقة العرجا ومنطقة الملياس هما جزء من تراب المملكة المغربية، والسلطان الحسن الأول في هذه الرسالة كان يعطي تعليماته إلى رئيس جماعة فكيك آنذاك بخصوص تدبير النظام الجبائي والشؤون المتعلقة بهذه المنطقة. إذن، لا يمكن أن نتنكر لهذه الوثائق التاريخية التي تقر بمغربية هذه المناطق والتي لا غبار عليها.

بالنسبة إلى سندات ملكية أهل العرجا للأراضي، ما هو تاريخها؟

أكيد أن جميع الوثائق الموجودة عند المتضررين في منطقة العرجا وبساتين الملياس وزوزفانا وأمغرور وغيرها تعود إلى سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي؛ بل قبل أن تتواجد الجزائر. وما أتأسف له هو أن فرنسا الاستعمارية بالجزائر كانت تعترف بالقوة القانونية لهذه الوثائق، التي تعتبر رسوما قانونية مسجلة في المحاكم بشكل طبيعي. وبالتالي، لا يمكن مصادرة هذه الحقوق؛ فما هو متعارف عليه هو أن الحقوق الفردية تسمو على جميع المواثيق.

في نظركم، ما هو الحل الذي ترونه للخروج من هذا الوضع؟

أكيد الحل بما يضمن حقوق الأطراف المتضررة، وأهل العرجا وفكيك متضررون. وأتمنى أن تصل هذه الرسالة إلى الإخوة بالجزائر, والآن هناك إطار قانوني في طور الهيكلة سوف يترافع في المحاكم الجزائرية باعتبار أن رسوم الملكية لا غبار عليها تشهد بأن هؤلاء الأشخاص لديهم ملكيات خاصة بهذه الأراضي ما وراء الحدود الجزائرية. ونتمنى أن ينصف القضاء الجزائري هؤلاء المتضررين، وأن تعبر الدولة الجزائرية عن نوع من المرونة؛ لأنه لا يمكن لها أن تصادر هذه الحقوق المكفولة دوليا. وفي حالة تعذر استصدار أحكام تضمن حقوق المتضررين، فأكيد أن هذا الإطار سيتوجه إلى القضاء الدولي لإنصاف المتضررين.

إن هذه الاتفاقيات والمعاهدات على الجزائر إما أن تتبناها كليا، أو أن ترفضها كليا؛ فلا يمكن للجزائر أن تتملص من المسؤولية القانونية بعدم احترام كل هذه الاتفاقيات التي ذكرنا، لأن الاتفاقية واضحة والحدود تم تنزيلها في غير مكانها والوثائق القانونية حاضرة، وبالتالي لا يمكن مصادرة هذا الحق كيفما كان الحال.

hespress.com