كان لا بدّ أن تتحرّك أمريكا في الصّحراء حتّى تليّن منظّمة “هيومن رايتس ووتش” موقفها من المغرب؛ فلم تعد الهيئة الحقوقية تنهلُ مصطلحاتها من قاموس بائد في تعاطيها مع  قضية الصحراء، كما لم تعد تتماهى مع أطروحات الانفصال، على الرّغم من تشبّثها بقراءات سياسية ضيّقة للنزاع وحلولهِ.

وكان لافتاً أن منظّمة “هيومن رايتس ووتش” لم تستعمل، في بيانها الأخير حول الاعتراف الأمريكي بالسّيادة المغربية على الصّحراء، تعبيرات ظلت “ثابتة” في بلاغاتها السّابقة؛ من قبيل “المناطق المحرّرة” و”الجمهورية الصّحراوية”. كما لم تتحدّث عن “الحرب” التي ما فتئت تروّج لها الآلة الدّعائية الموالية لجبهة “البوليساريو”.

ويتوقّف عزيز إدامين، الخبير في القانون الدّولي، عند ثلاثة مستويات في قراءته للبلاغ الصّادر عن “هيومن رايتس ووتش”؛ “المستوى الأول، ويتعلق ببعض المزاعم الواردة في البلاغ، فالجواب عنها من اختصاص الحكومة، بشقّيها وزارة حقوق الإنسان ووزارة الدّاخلية، ويجب التفاعل الإيجابي مع تلك المزاعم وتقديم المعطيات الدقيقة بخصوصها”.

أمّا المستوى الثاني في البلاغ، يقول إدامين، “يمكن وصفه بالإيجابي، حيث لأول مرة “هيومن رايتس ووتش” لا تصف الجزء الشّرقي من الجدار الرملي بأنه أراضٍ محررة من قبل “البوليساريو”؛ بل وصفتها بالمناطق العازلة. كما أنه لأوّل مرة لا تستند على أيّ بلاغ صادر عن ما تسمّيه “الجمهورية العربية الصحراوية” الوهمية.

وقال إدامين بأنّ “هاتين الملاحظتين مهمتان؛ لأن المنظمة الدولية أصبحت تتقيد بالمرجعية الدولية، وخاصة قرارات مجلس الأمن والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وأمينها العام. وبالتالي، فنحن أمام تحول هادئ وتدريجي في تعاطي هيومن رايتس ووتش مع الشأن الحقوقي في الصحراء المغربية”.

أما المستوى الثالث، بحسب المصرّح، وهو ما أشارت إليه المنظمة بكون المغرب يحتلّ جزءا من الصّحراء منذ مغادرة إسبانيا سنة 1975، فيحتاج إلى مجهود تواصلي كبير معها لتوضيح أن قرارات الأمم المتحدة منذ 1963 تصف المنطقة بأنها منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي، وأن قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللاحق إلى غاية سنة 2020 حيث وقعت تحولات كثيرة جدا، بأن المغرب يسيطر على هذه الجزء ولا يستعمل مصطلح “الاحتلال”؛ بل إن واقع الأمر بافتتاح عشرات القنصليات من قبل دول عضوة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يزكي شرعية المغرب فوق أرضه، ويقيد الأطروحات القديمة المنتمية لحقبة الحرب الباردة.

الاعتراف الأمريكي

وقال إدامين بأنّ “الاعتراف الأمريكي يجب أن يقرأ في سياق مكانة الولايات المتحدة على المستوى الدولي من جهة، ومن جهة أخرى وضع أمريكا داخل الأمم المتحدة”، مبرزاً أنّ “أمريكا أقوى دولة في العالم، سواء من الجانب السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أو الدبلوماسي”.

وأقرّ الخبير في القانون الدّولي، في تصريح لهسبريس، بأنّه “على مستوى الأمم المتحدة، فأمريكا هي من تصيغ مسودة القرار المتعلق بالصحراء، على الرغم من أن هذا الدور فني وتقني، فإن له قوة سياسية كبيرة جدا. والشيء الثاني هو أن أمريكا لها حق الفيتو حيث لا يمكن أن تسمح من الآن أن يمر أي قرار يمس إعلانها بمغربية الصحراء.

واعتبر الفاعل الحقوقي أنّ “هيومن رايتس ووتش” “نؤكد على مهنيتها العالية ومصداقيتها، إلا أنه تتهم في كثير من الأحيان بتماهي سياستها الحقوقية مع السياسة الخارجية الامريكية. ومن جهة أخرى، فعلى الرغم من أنها لا تتلقى دعم من الحكومات فإنها تصلها أكثر 75 في المائة من التمويلات من جهات أمريكية حكومية بطريقة غير مباشرة، عبر بعض المؤسسات والأفراد”.

وذكّر الخبير في القانون الدّولي أنّ مؤسسة “المجتمع المفتوح” Open Society، التي أسسها ويقودها رجال الأعمال اليهودي الأمريكي من أصل هنغاري، يقدر التمويل السنوي لها بـ10 ملايين دولار، مشيرا إلى أنّ مؤسسة المجتمع المفتوح لها علاقات وشراكات قوية مع البنتاغون ومع وزارة الخارجية الأمريكية، حيث تعتبر هي مترجمة التوجهات الأمريكية”.

وتوقّف إدامين عند ما اعتبرها “الموضوعية العالية، ولا أقول المطلقة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإنها أصبحت تقتنع ببعض الحقائق بخصوص الصحراء؛ عبر غربلة قاموسها وجهازها المفاهيمي من بعض المصطلحات التي لا تتماشى مع الشرعية الدولية”.

تعذيب طفلة؟

من جهته، قال الناشط الحقوقي شكيب الخيّاري إنّ “تصريح هيومن رايتس ووتش الصّادر البارحة لا يتحدث عن أية “حرب”؛ بل يؤكد كذب مزاعم “البوليساريو”، متوقّفاً عند غياب أية إشارة بخصوص كذب البوليساريو واختلاقه للأحداث”، مبرزاً أنّ “بلاغات البوليساريو تتحدث عن “حرب” مشتعلة بالمنطقة خلفت قتلى وأسرى ودمارا. ومن ثمّ، فإن هيومن رايتس ووتش كان عليها أن تتطرق لهذه “الحرب” ومخلفاتها بدل الاقتصار على مزاعم التعرض للتعذيب في المغرب”.

وتوقّف الخياري في قراءته لمضمون بلاغ المنظمة الدّولية عند “تطرّقها لتعذيب الشّرطة المغربية لطفلة في مدينة العيون”، وقال: “كيف يمكن تصور قيام أفراد شرطة بتعذيب طفلة بالكاد وصلت سن التمييز؟ خاصة أنها-حسب الزعم- تعرضت لضرب شديد في أجزاء مختلفة من الجسم، ما يعني وجود آثار لهذا الاعتداء على جسدها، ما يعني بالتالي وجود صور وشهادة طبية، لكن لا شيء يبدو أنه موجود وإلا لتم إطلاع المنظمة عليه ونشره بإعلام البوليساريو، خصوصا أن الأم المصرحة لديها قناة اتصال مع المنظمة وأكيد أنها هاتفها به كاميرا ومزود بالأنترنيت”.

وقال الناشط الحقوقي ذاته إنّ “التصريح الذي قدمته هيومن رايتس ووتش لم يكن موفقا أيضا في تبني موقف سياسي غير حيادي حيادا عن المنهجية الحقوقية، حيث نجده يتبنى موقف البوليساريو بشكل صريح في فقرات ضمن البلاغ المنشور”.

hespress.com