أواخر شهر شتنبر من سنة 2019، خرج مشروع دار الأمومة بإملشيل إلى الوجود، بعد أن جرى تشييدها بتمويل من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة إقليم ميدلت، وذلك لاستقبال الحوامل والمرضعات قبل وبعد الوضع، خاصة القاطنات بالمناطق الجبلية الوعرة.
وتشتغل هذه المؤسسة الاجتماعية، التي يوجد مقرها بالقرب من المركز الصحي بإملشيل، بتنسيق مع الأطر الصحية والمولدات، حيث يتم استقبال النساء الحوامل المحتمل أن يضعن حملهن وكذا الواضعات والمرضعات، ويتم إخضاعهن للمراقبة الطبية من طرف الطبيبة المختصة والمولدات.
وتلعب دار الأمومة بإملشيل دورا مهما في توفير الرعاية والعناية للنساء الحوامل في فترة ما قبل وما بعد الوضع، كما تشكل هذه البناية إضافة نوعية وتعزيزا للعرض الصحي بدائرة إملشيل، وتوفر مجموعة من الخدمات الإنسانية والاجتماعية لهذه الفئة من النساء.
جريدة هسبريس الإلكترونية أثناء زيارتها إلى منطقة إملشيل، تحدثت إلى الساكنة المحلية التي أكدت في تصريحات متطابقة أن هذا المرفق الاجتماعي والإنساني كانت المنطقة في أمس الحاجة إليه لمجموعة من الاعتبارات، أهمها التضاريس الوعرة، والتغيرات المناخية، والتساقطات الثلجية، وضعف الشبكة الطرقية في بعض المناطق.
“الدار” توفر الدفء
منذ بداية سنة 2020 إلى غاية يوم 18 يناير من السنة الجارية، استقبلت دار الأمومة بإملشيل ما يزيد عن 30 امرأة بين حامل وواضعة، وفق الإحصائيات التي قدمتها حياة أمنجوج، رئيسة جمعية دار الأمومة بإملشيل، لجريدة هسبريس الإلكترونية خلال زيارتها إلى هذه المؤسسة الاجتماعية.
وحسب أمنجوج، فإن 22 امرأة من المحتمل أن يعضهن حملهن في الشهر الجاري، مشيرة إلى أن لائحة الحوامل المحتمل أن يعضهن حملهن تم إعدادها مسبقا من طرف المركز الصحي بإملشيل، موضحة أن اللائحة قدمت لإدارة دار الأمومة والسلطة المحلية من أجل استدعاء هؤلاء النسوة للالتحاق بالدار قبل موعد الوضع.
وأكدت المتحدثة ذاتها أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قامت بتجهيز دار الأمومة بجميع التجهيزات، من أفرشة وأغطية وأسرّة للنساء وأخرى للرضع، والتدفئة والماء الساخن، من أجل توفير الجو الملائم لهؤلاء الحوامل وتشجيعهن للمكوث في المؤسسة قبل وبعد الوضع.
وأجمعت عدد من النسوة المستفيدات من خدمات دار الأمومة بإملشيل على أن كل ظروف الراحة موجودة بهذا المرفق الاجتماعي، خاصة ما يتعلق بالدفء للحوامل والرضع، مشيرات إلى أن المؤسسة خير لهن من منازلهن، خاصة في هذه الظروف المناخية القاسية.
“السلطة كتجيبنا لهنا بزز”
عرفت منطقة إملشيل خلال الأسبوع ما قبل الماضي وفاة شابة عشرينية وهي في طريقها إلى المستشفى بعد أن وضعت مولودها بطريقة تقليدية في منزل أسرتها بمنطقة تسمى “أولغازي”، وهي الوفاة التي أثارت جدلا واسعا في المنطقة وأُرجعت أسبابها إلى الإهمال الطبي، فيما أكدت مندوبية وزارة الصحة أن الوفاة كانت بسبب الولادة التقليدية، مشيرة إلى أن العائلة لم تتصل بالسلطات إلا بعد تدهور الحالة للصحية للراحلة.
ومن أجل التعرف أكثر على أوضاع هذه الفئة من ساكنة منطقة إملشيل، تحدثت هسبريس إلى مجموعة من الحوامل اللواتي تم استقبالهن بدار الأمومة في انتظار حلول موعد وضعهن، حيث اعترفت بعضهن بأن “أسباب وفاة الحوامل بمنطقة إملشيل، لا علاقة لها بالإهمال الطبي، بل بسبب إقبالهن على الولادة التقليدية التي ينتج عنها في غالب الأحيان نزيف حاد”.
عائشة، واحدة من النساء اللواتي من المحتمل أن يضعن حملهن هذا الشهر، قالت: “رغم كل الإمكانات المتوفرة بدار الأمومة والخدمات الطبية التي يقدمها الفريق الصحي بالمؤسسة الصحية بإملشيل، فإن بعض الأسر ترفض نقل الحامل إلى المستشفى قصد الولادة”، مضيفة: “هناك جهل من طرف الحوامل بخطورة الولادة التقليدية”.
وتابعت قائلة: “أنا شخصيا تم نقلي إلى هذه المؤسسة الاجتماعية قصد الوضع من طرف السلطة المحلية والأطر الصحية رغما عني وعن أسرتي”، وزادت: “بعد ولوجي دار الأمومة شعرت بالراحة النفسية وتأكدت أنني سأكون على ما يرام، خاصة بعد تفقدي البناية والتجهيزات المتوفرة، ومنها أغطية جديدة ونظيفة”، مختتمة حديثها بالقول: “معْمرْني تغطيت بمزافيل حتى جيتْ لهنا”.
“المخزن والأطباء كيجيبونا لهنا بزز”، “خلينا ولادنا وبهايمنا مكاينش اللي إكون بهم”، هكذا بدأت نعيمة حديثها لهسبريس، موردة أنها قدمت من منطقة بعيدة وذات تضاريس وعرة، مضيفة أن “المسؤولين فرضوا علينا عدم مغادرة دار الأمومة إلى حين الوضع، لكن غالبيتنا ترفض ذلك وتفضل الولادة التقليدية، وهي الطريقة المألوفة لدينا منذ زمن بعيد”، بتعبيرها.
واعترفت المتحدثة بأن وفاة النساء الحوامل بإملشيل تعود بالأساس إلى الثقافة المحلية السائدة والجهل بخطورة الوضع التقليدي، سواء على المرأة أو الجنين، مؤكدة أن “الحامل تعيش كلما اقترب موعد الوضع في جحيم نتيجة رفض الأسرة السماح لها بالتنقل إلى المؤسسة الصحية”، مبرزة أن “هذه السنة، يتم نقل الحوامل بالقوة إلى المركز الصحي ودار الأمومة”.
الأطر تجتهد.. والحامل تهرب
فدوى هاشيمي، مولدة بالمركز الصحي إملشيل، قالت إنه في إطار تتبع النساء الحوامل بالمركز الصحي المذكور، تقوم المولدات، تحت إشراف الطبيبة الرئيسة، بأربعة فحوصات على الأقل، تشمل قياس ضغط الدم والسكري والفحص بالصدى.
وأضافت هاشيمي، في تصريح لهسبريس، أن “المندوبية الإقليمية للصحة تقوم في موجة البرد بإرسال طبيب مختص في النساء والتوليد من أجل تشخيص الحالات الصعبة وإرسالها إلى المستشفى الإقليمي بميدلت”، مشيرة إلى أن “الفريق الطبي بالمؤسسة الصحية بإملشيل يقوم بإحصاء النساء المقبلات على الوضع، بتنسيق مع السلطات المحلية، من أجل إيوائهن في دار الأمومة”.
وأوضحت المتحدثة أنه “على الرغم من المجهودات المبذولة من طرف السلطات المحلية والأطر الطبية وشبه طبية، نتأسف لوجود عدد كبير من الحوامل اللواتي يضعن حملهن بالمنازل وبطرق تقليدية”، وطالبت “المجتمع المدني بدائرة إملشيل، بتحسيس جميع الحوامل بأهمية تتبع حملهن واللجوء إلى المركز الصحي للولادة”.
وقالت إحدى المولدات بالمركز الصحي: “رغم ظروف الإيواء بالمؤسسة الاجتماعية دار الأمومة وظروف الاستقبال بقسم الولادة بالمركز الصحي، إلا أن عددا من الحوامل يفضلن الهروب على البقاء بإملشيل لانتظار الوضع الذي قد يكون في غضون أسبوع أو أربعة أيام”.
وأوضحت المتحدثة أن “الحامل ترفض البقاء في دار الأمومة بالقرب من المركز الصحي، خوفا من أسرتها أو من الطلاق”، موضحة أن “الأزواج يتحملون المسؤولية في وفاة الزوجات في المنازل بسبب الولادة التقليدية، ويجب تفعيل القانون الجنائي في حق كل من يرفض السماح للحامل أن تضع مولودها في المؤسسة الصحية”، مضيفة: “كما يجب تجريم الولادة التقليدية لوقف نزيف الوفيات في صفوف هذه الفئة”.
وأضافت أن المجتمع المدني بالمنطقة لم يقم بدوره في تحسيس الحوامل بخطورة الولادة التقليدية، “بل اكتفى بتوجيه سهام النقد إلى الأطر الصحية التي تعمل بجهد كبير، وإلى السلطة المحلية التي أصبحت تدخل بيوت الحوامل بالقوة لنقلهن إلى المستشفى حفاظا على سلامتهن وسلامة الرضع”، بتعبيرها.
من جهته، أكد مسؤول محلي أنه “بإلحاح من السلطة المحلية، يتم نقل الحوامل إلى دار الأمومة والمركز الصحي بإملشيل، وفي بعض الحالات تضطر إلى ربط الاتصال بالنيابة العامة، خاصة في حالة تشبث العائلة برفض نقل الحامل إلى المستشفى قصد الولادة”.
وأوضح المسؤول ذاته أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قامت بتشييد ملحق لدار الأمومة بمركز إملشيل “جناح الرجال” الذين يرافقون زوجاتهم للولادة، وذلك تلبية لطلباتهم، مؤكدا أن الجناح سيتم افتتاحه في الأيام المقبلة.