وسط دروب مركز مدينة ميدلت، يقع مركز استقبال الأشخاص المسنين، الذي تم بناؤه منذ 2010 من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من أجل تحسين استقبال هذه الفئة التي تعيش في وضعية صعبة.
وتوفر هذه المؤسسة الاجتماعية لفائدة كبار السن، والذين لا مأوى لهم من الرجال والنساء، مجموعة من الخدمات الاجتماعية والإنسانية، قصد النهوض بأوضاع هذه الفئة التي تعيش أوضاعا اجتماعية أو صحية هشة.
المؤسسة الاجتماعية المذكورة، المعروفة لدى الساكنة المحلية بـ”دار المسنين”، تسعى إلى التكفل بإيواء وحماية الأشخاص المسنين المتواجدين في حالة تشرد بالشوارع، أو الذين أصبحوا ثقلا على أبنائهم.
حكايات مؤسفة
بمجرد ما تطأ قدمك وسط “دار المسنين”، يستقبلك عدد من الرجال والنساء أعمارهم تفوق الـ60 سنة؛ وجوههم شاحبة وأجسامهم أنهكها تعب السنين في تربية أبناء “مساخيط” لم يرثوا منهم سوى القهر والمعاناة، ورميهم في الشارع عرضة لجميع أشكال الاستغلال.
رغم اختلاف ظروف هذه الفئة والأسباب المؤدية إلى تشردهم، فمصيرهم واحد؛ وهو هذه المؤسسة الاجتماعية التي أصبحت تنسيهم في ماضيهم المر، لكون المشرفين عليها والعاملين بداخلها يحاولون توفير ظروف اجتماعية وصحية في المستوى لهذه الفئة.
عمي أحمد، واحد من المسنين الذين تم نقلهم إلى هذه المؤسسة الاجتماعية في هذه الأيام، التي تشهد فيها مناطق إقليم ميدلت موجة برد قارس وتساقطات ثلجية، ونظرا لكبر سنه، فإن الجمعية الخيرية الإسلامية بميدلت ستحتفظ به إلى جانب المسنين الآخرين في المؤسسة، من أجل التكفل به اجتماعيا وصحيا.
وفي هذا الصدد، قال عمي أحمد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، “أعيش منذ أكثر من 20 سنة مشردا وبدون مأوى، إلى أن وصلت مدينة ميدلت، إذ تم نقلي من طرف السلطة المحلية إلى هذا المكان الدافئ”، وزاد: “كنت على وشك الموت قبل ولوجي إلى دار المسنين، والآن الحمد لله كل الظروف متوفرة وحالتي حاليا تحسنت”.
وأضاف المتحدث ذاته: “في هذه المؤسسة الاجتماعية النساء والرجال يعيشون كأنهم أسرة واحدة”، مبرزا أن “هذه المؤسسة توفر للمسنين مجموعة من الظروف التي تساعدهم على الاستمرار في الحياة، بعدما حاول الأقارب إنهاء شريط حياتهم برميهم إلى الشارع”.
من جهتها، أكدت سيدة تدعى نعيمة، والتي كانت في حالة تشرد بشوارع ميدلت قبل نقلها إلى دار المسنين، (أكدت) أنها “كانت مشردة وتنام في الشارع، وتفترش الأرض وتلتحف السماء، ولم تكن تعلم بوجود هذا المكان الدافئ إلى أن نقلت إليه”؛ المعنية بالأمر تبلغ من الكبر عتيا. كما أنه لم يسبق لها الزواج.
دار الدفء والأمان
مركز استقبال المسنين هو مؤسسة اجتماعية أخذت على عاتقها استقبال وإيواء وإطعام الأشخاص المسنين، وتقديم العلاجات الشبه الطبية والتتبع الاجتماعي، وقد أنشأت هذه المؤسسة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بشراكة مع التعاون الوطني، وتسهر على تسييرها الجمعية الخيرية الإسلامية في ميدلت بموجب اتفاقية شراكة.
وتشكل “دار المسنين” في مدينة ميدلت، بالنسبة لنزلائها، بديلا لدفء العائلة المفككة لأسباب متعددة، بالرغم من الآثار السلبية التي يخلفها التفكك الأسري والعائلي بالنسبة لهؤلاء الكبار، الذين أصبحوا بين عشية وضحاها عرضة للتشرد والمخاطر المرتبطة به.
وفي هذا الإطار، تقول مي حليمة، نزيلة بالمؤسسة عينها، “راحتي موجودة في هذا المكان الذي يمكن أن نسميه دار الأمان وليس دار المسنين”، مضيفة: “هنا وجدت الدفء والراحة النفسية أكثر من دفء زوجي الذي تزوج بامرأة ثانية وأهملني”، مردفة: “هنا سأبقى طول حياتي إلى أن أخرج منها ميتة، لأن هذا هو بيتي وهنا توجد أسرتي وأقاربي”.
وأضافت المتحدثة، في تصريح لهسبريس، أن “الجميع هنا سواسية مثل النزلاء مثل العاملين بها، يعاملوننا كأننا أسرة موحدة، ويحاولون أن ننسى ماضينا المظلم”، مؤكدة أن “المؤسسة تتوفر على جميع ظروف العيش الكريم، والذي لم يكن متوفرا لدينا في منازلنا الشخصية”.
الطاقة الاستيعابية
رصد مبلغ مالي يقدر بـ3 ملايين و600 ألف درهم لبناء وتجهيز هذه المؤسسة الاجتماعية ما بين سنوات 2006 و2019، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وفق إفادة مسؤولة بدار المسنين.
علي يحيى، ممثل الجمعية المسيرة للمؤسسة الاجتماعية ذاتها، قال إن الطاقة الاستيعابية لـ”دار المسنين” بميدلت كانت لا تتعدى في بداية افتتاحها سنة 2011 حوالي 12 مستفيدا. كما بلغ عدد الأسرة بها بعد توسيعها هذه السنة 36 سريرا.
وكشف الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن المؤسسة يتواجد حاليا بداخلها 26 مستفيدا ومستفيدة، توفر لهم المؤسسة ظروف الإيواء والإطعام وكل ما هو صحي واجتماعي، موضحا أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قامت بتوسيع وتأهيل البناية وإعادة تجهيزها، لتجويد الخدمات المقدمة بهذه المؤسسة.
من جهته، أكد مسؤول بقسم العمل الاجتماعي في عمالة ميدلت، أن عملية البناء والتجهيز والتوسيع تم تمويلها من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، موضحا أن الجمعية الخيرية الإسلامية تسهر على تسيير المؤسسة إلى جانب المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني، وبدعم من المبادرة الوطنية أيضا.
وكشف المسؤول عينه أنه بالإضافة إلى هذه المؤسسة الاجتماعية التي تأوي المسنين المتخلى عنهم، تقوم عمالة ميدلت، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مركز زايدة، ببناء مركز استقبال الأشخاص بدون مأوى، الذي تصل طاقته الاستيعابية إلى 80 سريرا.
وأوضح المصدر ذاته أن المركز الجديد، الذي تم بناؤه بغلاف مالي يناهز 2 مليون و160 ألف درهم، يقع في زايدة، مؤكدا أن المركز خصص له غلاف مالي يقدر بـ600 ألف درهم لتجهيزه.