اقترح عبد الصبور عقيل، باحث في التنمية المجالية والذكاء الترابي، مشروع قطار جهوي سريع بطنجة- تطوان- الحسيمة يُمكن المراهنة عليه ليكون قاطرةً فعليةً للتنمية المستدامة بالجهة وعموم الوطن، سواء في الأفق المنظور أو على المدى البعيد.
وأشار الباحث المغربي، في دراسة توصلت هسبريس بنسخة منها، إلى أن جهة طنجة تطوان الحسيمة لها موقع إستراتيجي فريد ضمن التراب الوطني، حيث تُطل على حوض المتوسط، الذي يعد إحدى البحيرات الاقتصادية الكبرى في العالم، وأن لها إمكانية الربط القاري التي توفرها بين أوروبا باعتبارها أقدم قارة مصنعة في المعمور وإفريقيا القارة الغنية الواعدة في المستقبل.
وأوردت الدراسة أن الجهة تتوفر على إمكانات طبيعية هائلة وموارد بشرية متميزة لم تستغل بعد على الوجه الأمثل بسبب عدم كفاية شبكة النقل، ناهيك عن تموقعها القوي حالياً في سلاسل الإنتاج العالمية لعدد من الصناعات وجاذبيتها السياحية؛ وهو ما يجعلها جهةً مثالية لإطلاق ورش تطوير السكك الجهوية على المستوى الوطني.
ويقوم المشروع السككي، الذي يقترحه الباحث، على تصور إستراتيجي يُشيد بالتدريج، خلال الـ25 سنة المقبلة، يربط بين مناطق الجهة في أفق 2045 ليكون “ورشاً تنموياً مندمجاً يروم على طول مساره خلق مناطق صناعية جديدة، واستحداث فضاءات سياحية جذابة وتشييد قرى أصيلة للصناعة التقليدية منتجة للثروة.
كما يُراد من المشروع تثمين الموارد البشرية والموارد الطبيعية والثقافية التي تزخر بها الجهة، ناهيك عن بناء مدن سكنية وقرى نموذجية جديدة أو إعادة هيكلة القائم منها؛ حتى تحظى بمرافق اجتماعية، ثقافية، رياضية، تعليمية، صحية، وفضاءات بيئية متصلة يكمل ويثمن بعضها البعض.
وللمشروع أهداف كبرى، يورد عقيل، أبرزها ربط عواصم الأقاليم والحواضر سككياً بعاصمة الجهة والميناء المتوسطي، وربط أكبر عدد ممكن من الجماعات القروية بالشبكة السككية، ربط كافة مطارات الجهة بشبكة السكك الحديدية.
ويُتوخى من المشروع السككي، وفق مضامين الدراسة، ربط كافة موانئ الجهة بشبكة السكك الحديدية، وربط الفضاءات الاقتصادية الكبرى الواعدة بالشبكة السككية، وتحقيق الاندماج الاقتصادي الجهوي بما يضمن النهوض به والرفع من مساهمته في الاقتصاد الوطني.
وتُشير الدراسة إلى أن المشروع السككي سيخلق بنية تحتية قوية لتشجيع التصدير ورفع القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية، وإحداث فرص الشغل بمعدل مرتفع يستجيب لتطلعات الشباب جهوياً ووطنياً، واستحداث فضاءات سياحية متكاملة جديدة وربط الأماكن السياحية الموجودة والنهوض بها.
وأوضح الباحث في التنمية المجالية أن مشروعه المقترح من شأنه المساهمة في بناء مدن وقرى سكنية جديدة وإعادة هيكلة القائمة منها، وتشييد وهيكلة موانئ الصيد الساحلي في إطار مشروع “قرى الصيادين”، وبناء محطتين جديدتين للطاقة الريحية تمد المشروع بالكهرباء على اعتبار أن جهة طنجة تطوان الحسيمة الجهة الأغنى بالموارد الريحية على المستوى الوطني.
وستستفيد الجهة من مشاريع المصاحبة للمشروع السككي؛ منها إنشاء حوالي 20 منطقة صناعية جديدة للمقاولات الصغرى والمتوسطة على طول المسار، وإحداث حوالي 70 فضاء جديدا ومتنزهاً للسياحة البحرية، الجبلية، والثقافية.
أما على مستوى المنشآت الثقافية، فسيتم وفق الدراسة تثمين التراث المادي واللامادي للجهة عبر صيانة كافة المواقع الأثرية، وإنشاء المتاحف الموضوعاتية، والمتاحف في الهواء الطلق، على طول الخط وجعلها صناعة ثقافية احترافية ورافعة تنموية حقيقية تسهم في إنعاش الشغل ودر الموارد.
وحددت الدراسة مسارات إنجاز المشروع وتحدي التمويل بدءًا من تبني المشروع وإطلاق الدراسة التقنية في مجلس الجهة، مُروراً بطلب صندوق محمد السادس للاستثمار تولي الإشراف الإستراتيجي والتمويل والتسويق الدولي له قصد الحصول على التمويل من المؤسسات الدولية المختصة أو من الدول التي تربطنا بها شراكات إستراتيجية.
ويقترح الباحث المغربي على مستوى التمويل الاعتماد على الادخار الذاتي للجهة ومجالس الأقاليم والجماعات الترابية المعنية بالمشروع، وإطلاق اكتتاب عمومي لشركة التنمية الجهوية للسكك الحديدية التي ستحدث لهذا الغرض، ناهيك عن إصدار سندات استثمار خاصة بالمشروع بضمانة الخزينة العامة، والاقتراض المباشر من الصناديق والبنوك الوطنية.
وتختم الدراسة بالقول إن “التنمية في الأصل ليست سوى أحلام وتطلعات إنسانية تولد أول الأمر في الوجدان والمخيلة، وتحوّل بجهد ذهني من الخلق والابتكار إلى مشاريع هندسية طموحة على الورق أو شاشات الحواسيب، وتنتهي بفضل الجهد المستمر والمثابرة الدؤوبة والتعبئة الحماسية للتحقق كمنجزات عملاقة على أرض الواقع”.