في سياق يتميز بضغط ديمغرافي قوي وزيادة ملحوظة في عدد السكان النشيطين والباحثين عن العمل وما يشهده الاقتصاد العالمي من تحولات، تواجه قابلية التشغيل في المغرب تحديات كبيرة.

ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة في المغرب، وتمس بشكل خاص النساء والشباب. وعلى الرغم من تحقيق تقدم تمثل في خفض معدل البطالة في العقدين الماضيين، فإن ذلك يخفي تفاوتات مهمة.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن البطالة تمس النساء أكثر من الرجال، كما تمس بمستوى أعلى الشباب. والمفارقة تكمن في أن البطالة تزداد مع ارتفاع مستوى التأهيل؛ فالأشخاص الذين لا يتوفرون على أي شهادة تناهز 3,1 في المائة، و15,7 في المائة بالنسبة إلى حاملي الشهادات.

وعلى الرغم من اعتماد الدولة لبرامج مختلفة لدعم قابلية التشغيل والإدماج المهني، فإن النتائج لا تزال دون الاحتياجات، وفق تحليل أجرته في هذا الصدد اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.

وتنصب إجراءات الدولة الموجهة لتحسين قابلية تشغيل الشباب على دعم ولوجهم لأول مرة تجربة مهنية ومنحهم تكوينات مؤهلة. كما اعتمدت إجراءات لدعم التشغيل الذاتي؛ لكن أثر ذلك بقي محدود.

فحتى الإستراتيجية الوطنية للتشغيل، التي أطلقت سنة 2015 وتمتد إلى غاية 2025 وتهدف إلى وضع التشغيل في صلب العمل العمومي، إلا يزال معدل تنزيلها ضعيفا، وفق تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.

ويرجع هذا الوضع إلى عدد من الإكراهات الظرفية والبنيوية؛ فإحداث فرص الشغل غير كاف وقليل الإدماج وضعيف من حيث الجودة، بحيث يظل المتوسط السنوي لإحداث فرص الشغل أقل بكثير من الوتيرة اللازمة لاستيعاب مخزون طلبات الشغل وتوفير العمل للشباب الذين يصلون كل عام إلى سوق الشغل.

ويرتبط هذا الضعف بنسق نمو الاقتصاد الوطني الذي ينتج القليل من فرص الشغل، كما يتركز التشغيل في المناصب الإنتاجية عوض التأطيرية؛ وهو ما يعكس تدني تطور الاقتصاد الوطني.

وينتج هذا الوضع أيضا عن المستوى التعليمي الضعيف للباحثين عن العمل، وعدم ملاءمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل؛ ففيما يتعلق بالتعليم العالي تتركز التكوينات بأكثر من 80 في المائة على التخصصات ذات الاستقطاب المفتوح أو تلك التي يقل الطلب عليها أو المشبعة كالعلوم الاجتماعية.

ويشير تقرير اللجنة إلى أن عرض التكوين المهني كان في نهاية سنة 2019 يضم حوالي 340 تخصصا أغلبها لا يتلاءم مع حاجيات المشغلين؛ وذلك نتيجة التشاور غير الكافي مع المهنيين، هذا بالإضافة عدم تمكين البرامج التعليمية الطلبة من تطوير المهارات السلوكية والشخصية والتدبيرية واللغوية المطلوبة.

ما العمل؟

من أجل معالجة مشكلة قابلية التشغيل، اقترحت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي تكوين كفاءات تتكيف بشكل مستمر مع حاجيات السوق من خلال المشاركة القوية للقطاع الخاص؛ وذلك من خلال ترسيخ نمط القيادة المشتركة للعرض التكويني الوطني، من أجل ضمان ملاءمته المستمرة للطلب.

ووردت ضمن التوصيات أيضا تقوية المهارات الشخصية (Soft skills) وتشجيع التعلم مدى الحياة لتمكين المواطنات والمواطنين من التكيف بطريقة مرنة مع التغيرات الدائمة لسوق الشغل، ويبدأ ذلك من تعميم وتقوية المعارف السلوكية والمهارات التدبيرية واللغات.

كما يتطلب الأمر تأهيل الإطار القانوني لدعم التشغيل والحد من هشاشته، وإرساء حوار اجتماعي منتظم ومدمج للتحولات الحالية والمستقبلية لسوق الشغل؛ وذلك يتطلب تعديل مدونة الشغل لتحديثها وتبسيطها وجعلها أكثر مرونة.

ودعا التقرير إلى تنظيم أنماط العمل الجديدة، كالعمل عن بعد والدوام الجزئي، والتي من شأنها أن تؤثر بشكل حاسم على نشاط المرأة والعمل بقوة من أجل نيل الحقوق والانتقال الوظيفي.

كما يستوجب الوضع أيضا اعتماد قانون النقابات وإصدار القانون التنظيمي المتعلق بممارسة الحق في الإضراب؛ وهي قوانين ما زالت حبيسة البرلمان، والعمل على تعزيز مراقبة احترام الحقوق الأساسي في العمل.

ووردت ضمن التوصيات أيضا دعوة لفتح سوق الشغل للكفاءات الدولية مع إعطاء الأولوية لمغاربة العالم؛ وذلك من خلال إعداد سياسة شاملة للتعاون بين بلد إقامة المهاجرين والمغرب، ونقل المعرفة من المهاجرين المؤهلين كشكل من أشكال التعاون الدولي.

hespress.com