في منطقة جبلية بجهة الشرق، يقع دوار علوانة التابع للنفوذ الترابي للجماعة القروية سيدي علي بلقاسم دائرة دبدو على بعد حوالي 74 كيلومترا عن مركز إقليم تاوريرت.
وعلى الرغم من الدور التاريخي الذي لعبه دوار علوانة في مقاومة الاستعمار الأجنبي حتى بات يلقّب عند أهل المناطق المجاورة بـ”القرية الجهادية” نسبة إلى أبنائها المجاهدين، فإن هذه القرية الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 400 نسمة أغلبهم يشتغلون في الزراعة وتربية الماشية، تعيش تحت وطأة التهميش والإقصاء، تزيدها معاناة الطريق الترابية المهترئة التي تربطها بأقرب طريق جهوية.
إطلالة في تاريخ “علوانة”
ترتبط الذاكرة الجماعية لسكان دوار علوانة تحديدا بتاريخ 15 ماي سنة 1911 في معركة حربية استطاع أبناء القبيلة أن ينتفضوا خلالها ضد الاستعمار الفرنسي ليبلوا بلاء حسنا بقتل حوالي 30 جنديا من جنود المستعمر.
يقول إسماعيل الصادقي، أحد ساكنة الدوار لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “أبناء قرية علوانة لم يكونوا، على الرغم من بعد المنطقة، خارج سياق الأحداث العصيبة التي عاشها المغرب إباء فترة الحماية الفرنسية – الإسبانية؛ فقد شارك أجدادنا في الدفاع عن أرضهم وبلادهم بكل شجاعة، وقدموا في خضم ذلك شهداء ومعتقلين وسجلوا صفحات مجيدة في تاريخ المقاومة الوطنية”.
ولم يشفع هذا التاريخ المجيد للقرية الصغيرة “علوانة” في لفت أنظار المسؤولين إلى واقع التهميش الذي تعاني منه؛ لإعادة الاعتبار إلى أحد المناطق التي صنع سكانها جزءا من التاريخ الوطني في ردع الاستعمار الأجنبي.
معاناة الطريق المهترئة
تربط بين دوار علوانة وبين جماعة دبدو، التي تبعد بحوالي 46 كيلومترا، طريق ترابية مهترئة ومليئة بالأحجار نتيجة انجرافات التربة المستمرة. وتتسبب هذه الوضعية السيئة التي توجد عليها هذه الطريق في عزل الدوار تماما، خاصة خلال التساقطات المطرية في فصل الشتاء؛ ما يمنع السكان من التنقل خارج الدوار لقضاء مختلف الأغراض والحاجيات الضرورية للحياة، وكذلك التلاميذ والطلبة من الالتحاق بحجراتهم الدراسية.
وبسبب الوضعية المهترئة لهذه الطريق، فإن أغلب أصحاب وسائل النقل يرفضون أن يقلوا السكان إلى الدوار تجنبا لتآكل هياكل العربات مع الأحجار والحفر العميقة؛ ما يجعل من النادر تأمين حركة الذهاب والإياب، بعد انتظار وقت طويل جدا.
وقد سبق لسكان علوانة أن وجهوا رسائل إلى المسؤولين قصد التدخل لإيجاد حل على الأقل بإصلاح ما يمكن إصلاحه من الطريق التي تعد ممرا رئيسيا لتنقل السكان إلى جماعة دبدو وإلى الجماعات الأخرى؛ لكن دون جدوى، لتستمر معاناة أبناء هذا الدوار من العزلة والتهميش.
ولأن انتظار تدخل المسؤولين لأجل غير مسمى لا يمنع السكان من إيجاد حلّ مؤقت، قام عدد من قاطني دوار علوانة شيوخا وشبابا بمبادرة فردية وبالاستعانة بأدوات بسيطة تتوخى إصلاح الطريق بالشكل الذي يسمح للعربات بالمرور؛ وذلك بإزالة الأحجار والأعواد وملء الحفر العميقة بالتراب، وتبقى المبادرة مجرد حل ترقيعي في انتظار إصلاح فعلي للطريق.
خصاص في الماء
يقع دوار علوانة في منطقة جغرافية شبه جافة، ويتقاسم بعض سكان الدوار بئرا قريبة لسقي الماء. أما البقية فيقطعون أزيد من كيلومترين كل يوم للحصول على الماء بالاستعانة بالدواب؛ وهكذا يصبح خصاص الماء واحدا من أهم المشاكل التي يعاني منها الدوار.
يقول الصادقي: “الدوار في حاجة إلى آبار أخرى لتوفير ما يكفي جميع الأسر من الماء، فبئر واحدة لا تكفي لتغطية الحاجات المستمرة لدى السكان إلى هذه المادة الحيوية، ناهيك عن الحاجة إلى توفير الماء لسقي البساتين والحقول”.
مشاكل ومطالب
خلال فصل الصيف، يقول الصادقي، تكثر الأفاعي والعقارب ويصبح سكان دوار علوانة مهددين في أرواحهم باستمرار. لذلك، فمن بين أهم مطالب هؤلاء السكان المتضررين توفير ما يكفي من الحقن المضادة لسموم الزواحف.
ويضيف المتحدث: “كما يطالب السكان أيضا بتوفير حافلة واحدة على الأقل للنقل المدرسي، باعتبار أن التلاميذ يتجشمون عناء التنقل سيرا على الأقدام إلى غاية أن تقلهم سيارة عابرة في الطريق وقد لا يصادفونها؛ ما يفوت عليهم مواعيد الالتحاق بأقسامهم الدراسية في أوقاتها المضبوطة”.
كما يطالب السكان، يضيف الصادقي، بتوفير سيارة إسعاف للحالات المرضية الطارئة، خاصة النساء الحوامل اللواتي يفاجئهن المخاض في أوقات لا يجدن أحدا يسعفنهن بنقلهن إلى أقرب مستوصف في دبدو أو تاوريرت”.
الرغبة في الهجرة
أمام وطأة التهميش التي يعاني منها دوار علوانة، وبدافع الرغبة في التخلص من هذه المعاناة، يعتزم عدد من السكان الهجرة القروية إلى المدن لولا جذور الارتباط العاطفي إلى أرض الأجداد التي تمنعهم.
يقول الصادقي: “أغلب شباب المنطقة يهاجرون صوب المدن بحثا عن سبل رزق أوفر، خاصة الطلبة الذين يغادرون الدوار من أجل متابعة الدراسة في الجامعات المغربية أولا ومن ثمة يسلكون دروب حياتهم بعيدا عن علوانة. وهكذا، فهذه القرية مهددة مستقبلا بالهجرة بشكل مستمر، لافتقادها لأبسط شروط الحياة”.
رأي المسؤولين
وفي اتصال هاتفي لجريدة هسبريس الإلكترونية ببوجمعة المسعودي رئيس الجماعة القروية سيدي علي بلقاسم، اعتذر المتحدث عن تقديم أية معلومة بخصوص ما يعاني منه دوار علوانة، باعتبار أنه لا يملك التفاصيل الوافية، ليحيلنا مباشرة على نائبه الأول والمستشار عن دوار علوانة المامون القدوحي الذي أفاد بأن مشروع إصلاح الطريق وتعبيده مبرمج ضمن مشاريع جهة الشرق، مرجحا أن يكون سبب هذا التأخير عائدا إلى الميزانية.
أما خالد سبيع، ممثل مجلس جهة الشرق، فقد أفاد لهسبريس في اتصال هاتفي به بأن مشروع إصلاح الطريق المؤدية إلى دوار علوانة وتعبيدها سينطلق قريبا فور إنهاء بعض الإجراءات الضرورية.