أوراق نـديَّـة من كتابات الأستاذة الأديبة أمينة اللُّوه رحمها الله (1926-2015).

وأنا أعيد النظر في بعض ملفاتي العالقة لفت نظري موضوع متميز كـتـبـته الأستاذة أمينة اللُّوه عن العلامة محمد المختار السوسي، شقيق زوجها الأستاذ إبراهيم الإلغي، وهو موضوع دَسِـمٌ حـرَّك المشاعر وألهب العواطف، إذ استطاعت الكاتبة أن تسجل خواطرها عن زيارة هذا العالم لمدينة تطوان وما اختزنـته ذاكرتها بعد سنين لتستـفـزها وتكـتب عنه ضمن مقال طويل عنوانه: “ذكريات من الزمن الجميل”، وكانت قد كـتبته قبل وفاتها بأشهر كما أخبرتني بذلك، ووزعـته إلى فقرات، اخترت منها الفقرة كما سجلتها بعنوان: “المختار السوسي عـاشق تـطـوان”.

قبل ذلك، كان العلامة المختار السوسي يتحدث عن هذه السيدة بتقدير واعتزاز، كتب عنها في مؤلفه الموسوعة المعسول (ج 2/ 320) في معرض ترجمته لشقيقه إبراهيم الإلغي (زوجها) فقال: “أتاح الله للمترجم سيدة عالمة لا نظير لها في فتياتنا، وهاك ترجمتها بقلم زوجها الكريم: ولإلـغ أن تشمخ بأن أعلـم آنسة مغربية في فجر نهضتنا أضـيفت إلى إلــغ، أو أضيفت إلـغ إليها”. ويسعدني تقديرا لهذه العالمة أن أعمل على نشر مقتطف من مقال طويل حـبّـرته عن ذكرياتها مع العلامة المختار السوسي تقديرا لها ولوفائها لعلم شامخ أحيت ذكرياتها معه وهي بعد في عـزّ شبابها، إنه وفاء لعالم ملأ ذكره الآفاق وترسخت عطاءاته في الوجدان، قطعة أدبية رائقة لهذه العالمة الأديبة، (وكانت لي معها جلسات أدبية متعددة في بيتها بالرباط، وكـم كـنت أستمتع بأحاديثها وأستفيد من علمها وأنا في أول الطريق، فتـوجّه وترشد ولا تبخل بمعلومة ولا بنصح)، أردت بنشرها ألا ننسى مبدعات كان لهن قـصب السبق في الكتابة والتحبـيـر، ولهن السبق في حـصد الشهادات الجامعية، ولهن السبق في مجالسة الأعلام من الأدباء والكتاب؛ ولهن السبق في ارتقاء مناصب المسؤولية التربوية، فهي الأديبة الأنيقة والباحثة الـرصينة في فترة لم يكن للمرأة حضور في سوح الكتابة والقراءة أو المسؤولية، وقد أعمل فيما بعد على نشر فقرات من هذا المقال /الذكريات، خاصة وأنـها كما سبقت الإشارة صنفته إلى فقرات، وكما سنلمح ذلك في فقرات هذا المقال كما كتبته.

ما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الكتابات للعبرة والذكرى والإخلاص والوفاء، والبــرّ والصفاء…

وإليكم المقال: “المختار السوسي عاشق تطوان”.

تـقـول الأستاذة أمينة اللُّوه عن زيارة العلامة محمد المختار السوسي شقيق زوجها (إبراهيم الإلغي) لمدينة تطوان:

… ومن حسن الصدف أن تطوان كانت تعيش يومذاك عهدها الذهبي الذي جذب إليها المختار كما جذب من قبل شقيقه إبراهيم لتكون تطوان منفاه الاختياري، (فترة الحماية، أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات).

كان يحط الرحال ببيت شقيقه ـ بيـتـناـ ثم يسرع إلى الهاتف ليتصل بصديقه الحميم العلامة المؤرخ الحاج محمد داود، ثم يبدأ بينهما الحوار الممتع، كنت لا أترك الفرصة تضيع مني، فأقول للإلغي: صَهْ، الحوار بدأ، دعني أستمتع بسماع حوار العلماء؛ فما شئت من أشعار ولطائف ونكات، وأشواق تتدفق كأنها السلسبيل.. وبعد ذلك، وفي رفقة شقيقه يتوجه إلى منزل صديقه حيث يتم اللقاء، وربما يستطيب المقام فيقضي الليل هناك في بيت تطواني أصيل..

وأشير إلى أنه كان ينزل، في زياراته الاولى، ببيت عمي العلامة العربي اللُّوه، وقد نشأت بين العالمين صداقة مثالية، منذ اللقاء على مائدة الاستقلال في بيت عمي، كان هناك إعجاب متبادل بينهما، فمشاربهما العلمية متقاربة، المختار خريج جامعة القرويين بفاس، والعربي خريج جامعة الزيتونة بتونس..

على هذا النسق تتكرر زيارته لتطوان وتـتـكـثـف، وتلك نعمة من نعم الاستقلال..

والمختار لم يكن يزور تطوان عبثا، لقد كان يكتشف ويبحث ويسأل ويتعمق في كل ما يرى، ويسـتمتع… فهو أمام مدينة دقـتْ أسرارُها عن الأفهام، وهو يريد فـك هذه الأسرار، وقد فكّها بمهارة، بعبقريته ودهائه العلمي وبأخلاقه العالية وسعة منظوره الوطني، فأصبح الناس ينتظرون زيارته بشغف، ويتطلعون إليها بكل الحب والتقدير…

مع النخبة من علماء تطوان:

المختار نَهِــمٌ لمعرفة كل شيء عن تطوان العربية الأصيلة، ولذلك أراد وهو العالم الفـذ أن يلتقي بالنخبة من علمائها وفقهائها، فـتمَّ له ذلك في مجالس يفوح منها عطر العلم والعلماء، هناك ـ في هذه المجالس ـ كان المختار يجد نفسه، فينطلق على سجيته وهو في قمة ابتهاجه بلقاء الأصفياء..

لو تحدثت تلك المجالس ـ اليوم ـ لسمعنا حديثا عجبا!

البحث عن العالِـم الدَّقَّـاق:

في أحد هذه المجالس، سأل وبإلحاح، عن أحد علماء تطوان الشباب وطلب إحضاره ولو كان في بروج مشيدة، ولكن لقب هذا العالم اختلط على المختار فيقول إن لقبه له معنى (الدَّقَّاق)..

تساءل الناس عن هذا العالم الدقاق، وأخيرا اهتدوا إليه، إنه الأستاذ عبدالسلام الهراس (الدكتور عبدالسلام الهراس نزيل فاس اليوم)، وكان الأخ عبدالسلام الهراس قد تعرف على المختار في زياراته له بمنزله بأكدال بالرباط، ويظهر أن المختار أعجب بهذا الشاب وبعلمه فطلب إحضاره إلى مجلسه التطواني، وقد تمَّ له ذلك لتكتمل بهجته العلمية..

جولات في أرباض تطوان ونواحيها:

كان يحلو له التجوَّل رفقة صديقه شيخنا الأستاذ محمد داود في أرباض تطوان ونواحيها، في معالمها التاريخية والطبيعية، يستهويه شاطئ (مَرْتِين) حيث الغروب هناك يأخذ بمجامع القلوب، تستهويه (المَلَالِـيِـين) بمناظرها الخلابة الطبيعية، وهو في فرح متواصل، ثم يعرج وصديقه على “بُوجَـرَّاح” (المنطقة الخضراء) كناية عن غضارة الأيك فيها وتدفق مياهها.. وخارج السيارة، والأيادي متشابكة (عادة معروفة عن المختار) يمشي الهوينى ويستمتع بما يرى، يتوقف هنا ويتأمل هناك..

مع الصوفي سيدي محمد الحراق:

يواصلان المشي، ويقفان عند شجـرة وارفة الظلال ببوجَّـراح، ويشير صديقه إليها قائلا: هنا تحت هذه الشجرة كان يجلس القطب الصوفي سيدي محمد الحراق (ت1261هـ)، فيجيبه المختار بأبيات من شعر هذا الصوفي:

قد طار عـقـل الذي قد شمّ رياك

فكيف حال الذي قد نال رؤياك(5)

لا عَـتْبَ إِن ذابَ مِن نارِ الغَرامِ وَمَن

يَبقى مِنَ الكَونِ إِذ يَبدو مُحيّاكِ

وينـتـشي المختار بهذه اللحظة الصوفية، ويكون ذلك مدخلا لحوار صوفي لا ينتهي إلا بانتهاء الجولة والعودة إلى الدار..

جرعات من التصوف العميق الذي يُعَـدُّ المختار من أقطابه، قال لي أحد الأشخاص الذين رافقوا المختار كثيرا: “هو صوفي مع الصوفيين، فقير (مريد) مع الفقراء، عالم مع العلماء، شاعر مع الشعراء، مؤرخ مع المؤرخين، فقيه مع الفقهاء، وزير مع الوزراء، ودبلوماسي مع الدبلوماسيين..”.

إي والله، جمع الله فيه ما جعله متفرقا في غيره.

وليس على الله بمستبعد

أن يجمع العالَم في واحد

هكذا تمضي أيامه في تطوان، استكشاف ومتعة ما لها من حدود..!

في جـبـل العـلـم

أمـنـيَّة من أمانيه الكبرى أن يزور مقام القطب الرباني مولاي عبد السلام ابن مشيش، وتحققت أمنيته عندما اختاره محمد الخامس لمهمة إيصال هبة ملكية إلى الشرفاء بجبل العلم، فيقوم بهذه المهمة خير قيام ويجد في ذلك هواه الصوفي، وهناك مع الشرفاء سيصبح واحدا منهم ويندمج معهم.

لحظات من الصفاء النفسي لا يحس بها إلا من ولد ونشأ وعاش في الزوايا، ومنهم المختار..

في الشاون (شفشاون):

وتمضي الأيام والمختار مدمن الزيارة لتطوان، لا يغيب عنها إلا قليلا.. كأنه في سباق مع الزمان..

ويتطلع لزيارة الشاون، المدينة الأندلسية العريقة التي يفوح الطيب من غصنها الرطيب، ومعظم ساكنتها من أصول أندلسية موريسكية… جوهرة أخرى من شمال المغرب يجب الوقوف عندها، واستجلاء مفاتنها..

وتلبية لرغبته هذه، تنظم له زيارة لهذه المدينة، يلتقي بعلمائها وأعيانها، ويتجول بين أحيائها وساحاتها، يعيش هناك يوما أندلسيا على إيقاع مياهها المتدفقة وجمال ذكريات الفردوس المفقود أو الموعود..

ويعود إلى تطوان مـنتـشيا بما رأى وسمع، ويطلب من أخيه إبراهيم أن يعيد عليه قراءة بعض المقاطع الشعرية التي أوحت بها إليه شفشاون، وبعد سماعها يعلق: أجدت وصدقت فهي جنة عدنية..

وهذه هي بعض المقاطع التي شدا بها الإلغي بالشاون والتي أعاد قراءتها على شقيقه بطلب من هذا الأخير:

تذكار لأيام جميلة بمدينة شفشاون:

لست أنسى مدينة الراشدية

لا، ولو نازعتني عنها المنية

فلئن كنت نائي الجسم يوما

وتذكرت مالها من مزية

فسأبقى كآدم حينما

أخـرج من جنّة الخلود العلية

كيف أنسى ربوعها وهْــــيَ للـ

عين جمال، وللقلوب رويّة

رسمتها يد الطبيعة لوحًا

تتجلى به الفنون البهية

وحبتها يد السماء من كل نورٍ

وكستها مطارفا سندسية

أهل شفشاون، أنعموا بها بالا

فهي لا شك جنة عدنية

أنتم في شيوخكم وشباب

مثل زهر بدوحة سرمدية

مفاخرة على لسان (مدن المنطقة):

ويقول الأستاذ الإلغي على لسان شفشاون:

أنا شفشاون، بل

أنا فردوس الجبل

فمياهي كالعسل

إن تشككت فسل

ونسيمي للعلل

كدواء محتمل

من يزر ربعي ينل

منتهاه في الأمل

في ربـوع الأنـدلـس:

ثم يرنو إلى الضفة الأخرى، إلى الأندلس، رغبة ملحة منه لشقيقه إبراهيم لتحقيق هذه الزيارة، وقد تم له ذلك صحبة مرافق يجيد الإسبانية، وتـمَّ له السفر إلى الأندلس كما يريد (أعتقد أنه رافقه في هذه الزيارة أحد أنجاله)، وكانت غرناطة وجهة سفره.

وهناك في غرناطة، وفي قصور الحمراء، وقف علامتنا متعبدا منبهرا أمام روعة الفن الرفيع الذي يزين هذه القصور، ويجيل النظر في مفاتن الحمراء التي أبدعها ملوك بني نصر.

سألت الشخص المرافق له في سفره هذا عن بعض الذكريات المتعلقة بحلول المختار في غرناطة، أجابني: كان مبتهجا بكل ما يرى، وعندما ولج قصور الحمراء، أخذته روعة النقوش والحنايا والأقواس والألوان والنافورات والأزهار والأشجار والسواقي، مع تحسُّر عميق على ما ضاع…. كان يقرأ ما كُـتِب على الجدران من أشعار ابن الخطيب، وابن زمرك ثم يواصل إنشاده تتمة لأشعارهم، لاحظت أنه يحفظ كثيرا لشعراء الأندلس..

مرة، وفي قاعة الأسود بالحمراء قرأت له الأبيات المكتوبة على الجدران (أو على التماثيل)، أذكر منها الأبيات التي لا تزال عالقة بذهني:

تبارك من أعطى الإمام محمداً

مغاني زانت بالجمال المغانيا

وإلا فهذا الروض فيه بدايع

أبى الله أن يلقى لها الحسن ثانيا

ومنحوتة من لؤلؤ شق نورها

تجلى بمرفض الجمان النواعيا

يذوب لجين سال بين جواهر

غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا

تشابه جار للعيون بجامد

فلم ندر: أيّ منهما كان جاريا

ألم تر أن الماء يجري بصفحها

ولكنها مدت عليه المجاريا؟

كمثل محب فاض بالدمع جفنه

وغيض ذاك الدمع إذ خاف واشيا

وهنا (سيتخشع الفقيه السوسي) ويواصل إنشاده لهذه الأبيات من محفوظه الشعري الأندلسي وأخذ يحرك يده وبصوت عال، كانت هناك مجموعة من السواح الألمان أوقـفهم هذا المشهد وأخذوا يصغون إليه، ثم أخرجوا آلاتهم وأخذوا صورا للفقيه..! مشهد طريف!

لاحظت أنه قليل الأكل، كنا نجلس إلى مائدة الطعام، فينسى الطعام ويستغرق في إنشاد الشعر.

كان يجيل النظر في هذه الروائع ثم يسبح الله ويتلو بعض الآيات القرآنية.. مرة طلب مني ـ يقول المرافق ـ أن نقـتـفي أثر أبي عبد الله، آخر ملوك الأندلس، ونسلك الطريق الذي مرَّ منه إلى البُـشَرَّاتِ Alpujarras بعد تسليمه مفاتيح غرناطة للملكين الكاثوليكين فرناندو وإيزابيل.. فخرجنا صباح يوم جميل من أيام غرناطة، نخترق البقاع Las Vegas صوب الاتجاه الذي طلب، ولكنه توقف عند سفح Sierra Nevada، ونظر طويلا إلى الجبال الممتدة أمامه، واستغرق في التأمل كأنه يستعيد المشهد التاريخي، ثم انطلق يردد أشعارا لشعراء أندلسيين إنه يتـفـجر شعرا!.

ثم سألت المرافق المذكور، ما الذي لفت نظرك فيه؟ أجابني: إنه كثير الحركة، لا يستقر في مكان، ولا يركن إلى الراحة، إنه شيء يلـفتُ النظر حقا، كما أن محفوظه الشعري غزير جدا.

ومما أذكره عنه أنه كان يفطر في غرفته الخاصة به بالفندق، وكانت قنينة (أَمْلُو) الذي أخذه معه من المغرب تتصدر مائدة إفطاره. انتهى كلام المرافق للمختار.

زيارته لغرناطة كانت تتمة لزيارته لتطوان، فتطوان هي ابنة غرناطة أراد الاطلاع على الأصل بعدما تعرف على الفرع.

عاد إلى تطوان مبتهجا بما رأى، لقد تحقـقت رغبته ولو في جزء منها وهي غرناطة عاصمة النَّصْرِيِّـين..

الأعوام تمر، وعلامتنا يختلس صفو الزمان، والعيش اختلاس!

تطوان هي بيته المفضل، يشد إليها الرحال كلما وجد إلى ذلك سبيلا.. أسبوعيا ننتظر زيارته التي يسعدنا بها..

محــاضـرة الـعــصــر:

رغبة من عامل تطوان ومن العلماء والمفكرين والمثقفين بها في سماع محاضرة من المختار، نظموا له لقاء مشهودا في القاعة الكبرى بنيابة التربية والثقافة، توافد الناس على القاعة التي امتلأت عن آخرها، ونقلت المحاضرة عبر الأثير.

محاضرة ألقى عليها علامتنا من علمه الغزير ومن روحه الخفيفة، تحدث عن سوس وعن السوسيين، ومزج ذلك ببعض النكت الخفيفة، تحدث عن سيرته وعن سجنه وعن تقلده لوزارة الأوقاف، قال: وهكذا ترون أن حياتي تقلبت بين “حَـبْـسٍ وحُـبُـسٍ”، والتورية هنا بادية، ثم خاطب الحاضرين: هذا صدر بيت فمن يكمل؟ فقام الفقيه العالم محمد بن علال البختي، وأكمله قائلا: إِلَى نُعْمَى فَإِتْمَامِ، ويمكن إدراج البيت الشعري كالآتي:

ومـن حَـبْــسٍ إلـى حُــبُـسٍ إلـى نُـعْـمــى فإِتْــمــامِ

واستحسن المختار الجواب قائـلا: لله درُّك، ثم واصل محاضرته التي ألقاها ارتجالا، والتي عُـدَّت محاضرة العصر..

وانتهت المحاضرة، ولكن التعاليق والإعجاب بها لم تـنـته.. (وودت وأنا أكتب هذه الشذرات لو عثرت على التسجيل الكامل لهذه المحاضرة التي جلبت إليها الحاضرين، ولكنني لم أهتد إليها بعد..).

الإعجاب بالطبخ التطواني:

ومما كان المختار يحبه أثناء زيارته لتطوان الطبخ التطواني الأصيل ذا الجذور الأندلسية والتركية، وكان يبدي إعجابه به ويتـذوقه بشهية.. (وكانت الأستاذة أمينة تحسن تحضير أنواع كثيرة من الطبخ التطواني ومن الحلويات التطوانية كما حدثـتني عن ذلك، وكنت أستـطعم ما كانت تقدمه لي من حلويات تطوانية من صنع يديها وهي تستضيفـني ببيتها مع كؤوس الشاي المغربي).

الانتقال إلى الرباط:

في أواخر سنة 1957 عُـيِّـنَ الأستاذ الإلغي مستشارا بالمجلس الأعلى للنقض والإبرام، ضمن ثـلَّـة من العلماء الذين عينهم المغفور له محمد الخامس في هذا المجلس الذي كان حكرا على الفرنسيين، فكان لزاما علينا (الإلغي وأنا) أن ننـتـقـل إلى مدينة الرباط للإقامة بها نهائيا..

وهنا، ستتوقف زيارات المختار لتطوان، لا أقول نهائيا، ولكنها سـتـقـل، زيارات متباعدة لصديقه الأستاذ محمد داود، أو للإشراف على كتبه التي كان بعضها يـطبع بمطبعة المهدية الشهيرة.

وهناك في الرباط سيكون اللقاء يوميا، وهناك سيسـعـد الشقيقان بنعمة الإقامة في مدينة واحدة دون أن يعكر صفوهما هاجس الفراق التعسفي..

hespress.com