كنت أجد في نفسي من دواعي الفخر والاعتزاز الشيء الكثير وأنا أرى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد تزعمه السيد أحمد الريسوني وهو مغربي أبا عن جد؛ ولد على أرض المغرب وترعرع تحت سمائها ودرس الشريعة في مدارسها العتيقة وعلى يد شيوخها الأبرار؛ شرِب من نهر “اللوكوس” المحيط بمدينة “القصر الكبير” حيث رأت عيناه نور الشمس لأول مرة، ولهى وهو طفل صغير في الطرقات والأزقة التي شهدت معركة الملوك الثلاثة الشهيرة، حيث تمكن المغاربة من رفع لواء الإسلام عاليا بصده الهجوم البرتغالي الغاشم.

لكن هذا الاعتزاز والفخر سرعان ما يتلاشى توهجهما وتخمد نارهما حينما تجد الريسوني قد تنكر للأرض التي آوته صغيرا والوطن الذي احتضنه صبيا، فصار يدافع عن جميع أوطان المسلمين إلا وطنه الأم، وينافح عن الشعوب المظلومة إلا شعبه الذي اقتسم معه الأفراح والأحزان، فيصمت كالأخرس في قضية الصحراء التي يعلم جيدا أنها مغربية منذ أبد الآبدين، ويمضي كالأعمى عما تقوم به عصابات البوليساريو من تفتيت عضد الأمة وذهاب ريحها، والله تعالى يقول: ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.

يعلم الريسوني أكثر من غيره بأن الصحراء لم تكن أبدا أرضا بلا شعب، وأن هذا الشعب لم يكن له حُكْم مستقل خاص به، وأنه كان دائما يدين برابطة البيعة الشرعية للسلاطين المغاربة لعدة قرون مضت، مما يجعلنا أمام تساؤلات عريضة حول الموقف الحقيقي للريسوني واتحاده:

إذا كان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد أنشئ من أجل الدفاع عن وحدة الأمة ورص صفوفها، فلماذا لا يدافع عن وحدة المغرب؟ أو ليس المغرب أيضا واحد من بلدان المسلمين يستحق أن يستنفر العالِم الرباني من أجله أدواته المقاصدية ومواهبه الخطابية نصرةً لقضيته العادلة؟

أليست البيعة كافية من الناحية الشرعية لإثبات أن الصحراء كانت على الدوام تابعة للحكم المركزي المغربي، وأن من أراد أن يشق عصا طاعة السلطان وجب قتله أو قتاله؟ أم أن الريسوني وأعضاء اتحاده لم يسمعوا بحديث البخاري ومسلم: “مَن خرج مِن السلطان شبراً مات ميتة جاهلية”؟

أليست البيعة واحدة من التشريعات العظيمة التي من المفروض أن يسعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لإحيائها وصونها والدود عنها، خصوصا وأن أثرها كاد أن يختفي لولا أن المغرب العظيم ما زال محافظا عليها وراعيا لشروطها؟

أليس السكوت عن الجهر بالحق الساطع، والتخاذل في نصرة قضية الصحراء المغربية كفيل بنشر الفرقة والتشرذم في كيان الأمة الإسلامية مما يقوي شوكة الأعداء ويسهل النيل منها؟ أم أن هذا التخاذل أقل إثما من التخاذل عن باقي قضايا المسلمين؟

ألم يعلم الريسوني وزبانيته أن الشعب الصحراوي الوهمي يصبو لخلق كيان شيوعي حاقد على الأمة الإسلامية وكاره للدين الذي تدين به والتشريعات التي تحتكم إليها؟ أم أن هؤلاء “العلماء” يعيشون في كوكب غير الكوكب الذي نعيش فيه، ويتبعون قرآنا غير القرآن الذي ننهل منه؟

أليس من العار أن يتجند الريسوني للدفاع عن رجل ضُبط بُعيد الفجر على شاطئ البحر يمارس ما تعلمون مع من تعلمون، لا لشيء إلا لأنه واحد من قياديي حركته التي ترأسها في غابر الأيام وواحد من أعضاء اتحاده الذي يرأسه الأيام، في حين أنه لم يكلف نفسه عناء الدفاع عن بلده ولو بكلمة يتيمة لا أشقاء لها؟

لست أرى الريسوني إلا شخصا عاقا لأمته قبل وطنه، ومتنكرا لدينه قبل أن يكون متنكرا لوطنيته؛ مادامه يحكم على قضايا المسلمين بميزان أعرج لا تستقيم فيه الكفتان، والله تعالى يقول: “وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان”.

hespress.com