ربيع القضاء في المملكة
صورة: منير امحيمدات


سعيد ابن عائشة


الجمعة 26 مارس 2021 – 09:38

لا يمكن إسدال الستار على هذا الأسبوع من شهر مارس دون الحديث عن التغييرات الكبرى التي مست جسم العدالة في المغرب بقرارات ملكية، بالتزامن مع موسم الربيع، وكان لها وقع الزلزال الذي حصد كثيرا من الرؤوس، بداية من رئيس المجلس الأعلى للقضاء ووصول إلى رئيس مجلس المنافسة الذي “طحنته” التقارير المنجزة ضده من طرف زملائه في المجلس، ومن طرف اللجنة الملكية التي تم تعيينها للبت في الملف الشائك للمحروقات.

فبتعيينه بداية هذا الأسبوع رئيسا أول لمحكمة النقض، ورئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يكون محمد عبد النباوي، على سبيل المثال، قد تربع على عرش أهم منصب قضائي في المملكة، مكرسا نجاحاته التي انطلقت مع اعتماد دستور جديد، حيث سرق عبد النباوي الأضواء منذ تعيينه كأول رئيس للنيابة العامة بعد استقلالها عن وزارة العدل، وكان ذلك عنوانا لخطوة مهمة في اتجاه ترسيخ “فصل السلط”، لأن النيابة العامة ظلت منذ استقلال المغرب مرتبطة بالجهاز التنفيذي، وبوزارة العدل تحديدا.

يمكن القول إن نجاح عبد النباوي في تدبير مرحلة تأسيس رئاسة النيابة هو الذي أهله ليكون اليوم رئيسا منتدبا للسلطة القضائية، بل إنه بات معولا عليه في تطبيق منهج صارم للإصلاح في صفوف العدالة، بعدما كان المتتبعون يعيبون على الرئيس السابق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مصطفى فارس، عدم فعاليته في تفعيل “اختصاصات زجزية” في مواجهة انحراف بعض القضاة.

ولا تكمن قوة التغييرات القضائية في كونها تتزامن مع التحضير للانتخابات فقط، أو عند تعيين الحسن الداكي وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض ورئيسا للنيابة العامة، بل إن الحدث أخذ رمزية كبيرة بعد تكليف الوالي زينب العدوي بمهمة رئيسة المجلس الأعلى للحسابات خلفا للرئيس ادريس جطو، الوزير الأول سابقا الذي كسر شوكة الاتحاد الاشتراكي في عز قوته، باعتباره رمزا للخروج عن المنهجية الديمقراطية؛ إنها واحدة من نساء العهد الجديد وقد حلت محل واحد من رموز العهد القديم. وقد كان مجرد الحديث عن تعيينها في هذا المنصب كفيلا بإدخال الرعب إلى قلوب عدد كبير من المنتخبين، الذين كانوا موضوع تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية التي أشرفت عليها العدوي نفسها في وقت سابق.

بين رموز العهد القديم ورموز العهد الجديد، سقط واحد من الأطر الكبيرة في عهد عبد الرحمان اليوسفي، ويتعلق الأمر بالسيد ادريس الكراوي، رئيس مجلس المنافسة السابق، الذي حل محله السيد احمد رحو؛ فقد كان الكراوي واحدا من رموز تيار الراحل عبد الرحمان اليوسفي في المؤسسات الحكومية.

وقمة المفارقة أن يذكر اسم عبد الرحمان اليوسفي وادريس جطو على هامش التغييرات القضائية الأخيرة؛ ما يعني أن التحديات الديمقراطية في المغرب تطرح فيها الأسماء نفسها تقريبا. ولكن العهد الجديد ليس هو العهد القديم، وقد تكون تغييرات اليوم مجرد بداية لنسمات الربيع القضائي في المملكة، الذي سيتبعه زلزال المحاسبة السياسية التي طال انتظارها. لذلك، يتعين أخذ هذه التغييرات على محمل الجد.

التغييرات الكبرى اللجنة الملكية جسم العدالة وزارة العدل

hespress.com