لم يعدِ الأمر يقتصر على الاحتجاج وبثّ شرائط “تفضحُ” واقع مستشفياتِ “كورونا”، بل انتقلَ إلى تدوين وقائع يومية من قلبِ “غرفِ” العزلِ والعلاجِ، حيث يُعاني المرضى من غيابٍ تامّ للأطباء والأدوية، كما هو الحالُ في المستشفى الميداني سيدي يحيى الغرب، الذي تحوّل إلى مادّة “دسمة” تجذبُ خيالاتِ كتّاب ومدوّنين.

الكاتبة والأديبة المغربية مريم التيجي نقلت “أهوالَ” المستشفى الواقع على أطراف مدينة سيدي يحيى الغرب، الذي يقصدهُ مرضى “كورونا”.. “ذلك الفضاء مترامي الأطراف الذي يطلق عليه لقب “باكستان” لا تدخله أشعة الشمس، ولا يدخله ظل طبيب، ولا يدخله خيال ممرض أو مسعف”، كما تصفهُ الكاتبة المغربية.

صاحبة رواية “تضاريس التّيه” كانت ضيفة على مستشفى سيدي يحيى الغرب، بعدما تسلّل فيروس “كورونا” إلى جسدها، فسردت في رسائل وجّهتها إلى وزير الصّحة تفاصيل مقامها داخل المركز الاستشفائي الميداني، حيث بدأ شريطُ المعاناة مع “سائق سيارة الإسعاف الذي كان يسير بسرعة جنونية غير آبه لطلباتنا له المتكررة لخفض السرعة، حتى بدأنا نتمنى الموت بكورونا عوض حادثة سير”.

وتسترسلُ الكاتبة المغربية في شهادتها: “وصلنا إلى المكان المعلوم، فحصلنا على حصصنا من الدواء الكافي لمدة أسبوع، ومن ثم دخلنا إلى مخيم اللاجئين دون إرشادات أو معلومات، حيث تم إقفال الباب الحديدي بالسلاسل والأقفال وكأننا في معتقل ݣوانتنامو”.

“في بداية الليل، ترتفع الأصوات، وأحيانا صخب الموسيقى، وتعم الفوضى المكان، بل يصل الأمر إلى ارتفاع أصوات أفلام ‘البورنو’ التي يتسلى بها البعض، ولا ينفض جمع هذا البعض الصاخب إلا في وقت جد متأخر من الليل”، تقول الكاتبة المغربية في شهادتها ورسائلها الموجّهة إلى وزير الصّحة.

واختارت الكاتبة المغربية تقاسمَ تفاصيل معاناتها مع متتبّعيها عبر صفحتها على “فيسبوك”، متوقّفة في سردها الدّقيق عند “غياب الأطباء والممرضين من فضاء “باكستان” الذي يأوي المئات من حاملي فيروس كورونا المستجد، داخل “المستشفى” الميداني سيدي يحيى الغرب.. وكما هي العادة يتطوع مرشدون من بين النزلاء القدامى لتوجيه النزلاء الجدد، وإرشادهم إلى الطريقة الصحيحة لاستعمال الدواء الذي تم تسليمه لهم قبل دخولهم”.

وتضيفُ الرّوائية المغربية في سردها الصّادم: “أخبركم يا سادتي الكرام بأن هناك من تشتد عليه نوبات الشقيقة بسبب هذا التعذيب والحرمان من النوم، وهناك من تنهار قواه، لكن لا توجد أي وسيلة للتواصل مع المسؤولين أو مع العالم الخارجي، ولا أي باب يسمح بالتسلل إلى الخارج وطلب المساعدة؛ فيتحملون عذاباتهم في انتظار قرار الإفراج”.

وتشير الكاتبة إلى أن “الإصابة بالإسهال في غياب مراحيض آدمية يعتبر محنة لا يريد أحد أن يمر بها، وبما أنه لا أحد مستعد أن يغامر بفحولته، فإنه لا أحد تقريبا يتناول دواء ديديي راوول، وبالتالي فإن الإقامة في فضاء يقال له ‘مستشفى’ تكون إهدارا للمال العام وللكرامة الإنسانية”.

وقالت الروائية ذاتها إنّ “دواء الكلوروكين يوزع على الجميع دون القيام بأي فحوصات أو تخطيط للقلب، وربما تدخل ‘المرشدين’ المتطوعين أنقذ أرواحا ما دام الدواء يستلزم أخذه مع احترازات صارمة وإشراف طبي حقيقي”.

وشدّدت الأديبة المغربية على أنّ “المشكل الوحيد أن مواد التنظيف غالبا لا تستعمل، لأن الماء الساخن غير موجود، والحمام لا يصلح حتى لقضاء الحاجة إلا اضطرارا؛ حتى إن واحدة من أعز التمنيات في هذا المكان الذي يعرفه القائمون عليه باسم باكستان هي أن يصابوا بإمساك مزمن، لكي يؤجلوا نداء الطبيعة بقدر ما يستطيعون، حتى لا يدخلوا إلى ذلك الفضاء المسمى تجاوزا مراحيض”.

hespress.com