خلال البدايات الأولى لاستقلال المغرب، كان جيل من الوطنيين يحاول أن يقطع مع مرحلة الاستعمار وبناء دولة “مستقلة” بمؤسساتها وأجهزتها المادية. وقد كان عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم ومحمد الحبابي والمهدي بنبركة من بين الأصوات القليلة التي كانت تراهن على الشباب كقوة ثورية مؤثرة، يمكن أن تساهم في وضع المغرب على السكة الصحيحة.

في هذه السلسلة الرمضانية، تحاول جريدة “هسبريس” الإلكترونية تقفي آثار بعض رسائل الزعماء الوطنيين المغاربة الموجهة إلى الشباب “الحالم” المتشبع بالفكر الثوري والقادر على التأثير في موازين القوى، فقد كان الرهان على الشباب المغربي قويا وصادقا، لولا “تعطل” مسار التطبيع مع ديمقراطية “فتية”.

الشباب المغربي أمام قضايا الساعة

ينطلق الزعيم الوطني عبد الرحيم بوعبيد، في رسالته الموجهة إلى الشباب المغربي المعنونة بـ”الشباب المغربي أمام قضايا الساعة”، من حرب الريف التي اعتبرها أكبر مدرسة للوطنية المغربية، تجلت فيها قدرة الشباب المغربي على مواجهة الأحداث بالوسائل الناجعة، ضد جيوش الإسبان التي كانت تفوق جماعات المقاومين، من حيث العدد ومن حيث وفرة الأسلحة الحديثة.

وقد برهن الشباب المغربي، المنبثق من صفوف الجماهير الشعبية الكادحة ومن صفوف الطبقة العاملة وجماهير الطلاب، كما يذكر بوعبيد، على قدرته على العمل والتنظيم والابتكار. وبفضل جهاد الأحرار من الشباب وتضحياتهم، كان الاستقلال، وكان تحرير البلاد من الحجر الاستعماري، وكان رجوع محمد الخامس من منفاه.

ولا يسعى مؤسس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عام 1959 من توجيهه للشباب إلى أن يمارس الوصاية أو أن يوظف أساليب الواعظين المرشدين الذين يكتفون بالدعوة إلى الطريق المستقيم والخروج من الغفلة واللامبالاة؛ لـ”أن الطريق المستقيم، في نظرنا، هي المؤدية إلى العمل الجدي، من أجل إقامة نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي، يحل محل النظم المرجعية والاستغلالية القائمة”.

ويبرز بوعبيد، في رسالته الموجهة إلى الشباب المغربي، أن “الحركة الثورية والتقديمة في حاجة إلى تلقيح وتنمية وتغذية، من طرف الشباب الحي العامل، الذي يريد أن يصنع مستقبله ومستقبل الجماهير المحرومة، وفقا لمبادئ الاشتراكية الصحيحة والديمقراطية القويمة.

وبعدما أكد أن “النظم الاشتراكية هي الكفيلة وحدها بتلبية رغائب الجماهير الكادحة في الخروج من التخلف، وبناء مجتمع إنساني عادل وحر، لا عبودية ولا استغلال، مجتمع يرمي إلى محو كل أنواع العبودية والاستغلال”، يزيد الزعيم اليساري أن “الاشتراكية، كمثل أعلى تتوفر فيه كل شروط العدالة الصحيحة، وكأسلوب ناجع لمقاومة التخلف وقطع المراحل الكبرى في أقرب وقت ممكن”.

ويعود بوعبيد في كلامه إلى “الحكم الرجعي، الذي لجأ إلى أساليب القمع المطلق، والتنكر لجميع المكتسبات، في ميدان الحريات العامة، وحرية الصحافة، والحرية النقابية. وإذا أصبحت كل المراسيم والقوانين التي تضمن بعض الحريات حبرا على ورق مثل ما كان ذلك أيام الاستعمار، فذلك لأن الرجعية والإقطاعية تخشى أن يعبر الشعب عن رأيه”.

ويصف الزعيم اليساري الشباب بأنه “طاقة ثورية، لا تستطيع أي قوة أن تصدها عن السير إلى الأمام؛ فعدد الشباب الذين لم يبلغ سنهم عشرين سنة يكون 66 في المائة من بين سكان المغرب، وهذه النسبة تزعج المحافظين على المصالح الخاصة والمستفيدين من الوضع الحالي”.

ويضيف بوعبيد في رسالته أن “الحكم الفردي يحاول أن يعمل أيضا في أوساط الشباب أيضا في أوساط الشباب، بطرق الإغراء، والترغيب والتهديد؛ لكن وسائله محدودة، ونتائج عمله هزيلة، لأنه لا يستطيع أن يعطي للشباب ما هم متعطشون إليه، وهو الغذاء الروحي والفكري، والغذاء الإيديولوجي، والثقة بالنفس وفي المستقبل، ونظرة واضحة نزيهة عن الوضع السيء الذي تتخبط غيه الجماهير الشعبية، والحلول للأزمة، التير فرضها المنطق السليم والتحليل العملي المجرد.

ويستطرد بوعبيد: “وإذا استطاع الحاكمون اليوم أن يؤثروا على بعض العناصر من الشباب، ويدفعوا بآخرين إلى الانكماش والابتعاد، فإن ذلك لم يؤثر في مجموع الطاقة الثورية عند مئات آلاف الشباب؛ لأنه لا يمكن إغراء الجميع، ولا إرهاب الجميع، ولا شراء كل الضمائر”.

ويختم الزعيم السياسي المغربي البارز رسالته بقوله: “الطاقة الثورية ستزيد خلال السنين المقبلة قوة وشدة؛ نظرا إلى استفحال الوضع وتفاقمه، وتفاحش البطالة، واستفحال استغلال المستغلين، وحرمان ملايين الجماهير المتزايد عددها سنة بعد سنة”.

hespress.com