جبال شاهقة بين أحضانها نبتة تدر تجارتها ذهبا، لكن حال السكان لا يوحي بأي ثراء، يزرعونها ويجمعونها، هم أول الخيط في تجارتها، لكن الاستفادة تبقى بعيدة عنهم.

بمنطقة إيساغن بكتامة لا شيء يزرع غير القنب الهندي، إلا أن السكان يشتكون من قلة الأرباح مقابل غلاء المعيشة ومخاطر كثيرة.

المساكي عبد الرحمان، أحد القاطنين بدوار الواديين بإيساغن كتامة، قال في حديث مع هسبريس: “منذ فتحت عيني على الدنيا وجدت والدي يزرع ‘الكيف’.. نحن نعرفه كمخدر، كنا نزرعه ونبيعه منذ الستينيات مع ‘طابة’ و’الشقوفة’”، وتابع: “لم يكن هناك حرج، كنا نبيعه بشكل عادي، كنا نعيش به ونستعمله استعمالنا العادي..كنا نعيش معه في البيت ولا يتسبب لنا في أي ضرر”.

فقر وتهميش وجوع، هذا ما يميز جبال كتامة؛ فعلى الرغم من أن التقارير الدولية تقدر أرباح تجارة القنب الهندي بمبالغ طائلة، إلا أن حال الساكنة هنا يوحي بالعكس.

هسبريس التقت عددا من المزارعين بمنطقة كتامة، جميعهم يرددون الرواية نفسها: “تعب وشقاء دون أرباح”.

وقال أحد المزارعين: “أكبر الفلاحين هنا يجني فقط 400 أو 500 كيلوغرام يبيعها بـ30 أو 35 درهما، ومنها مصاريف المشتغلين في الأرض والكهرباء والماء وأيضا الحفر والدواء”، وتابع: “الجميع يشتغل، حتى الأبناء..وحينما تبيع المنتج لا يبقى لك غير رأس المال…نعيش معاناة كبيرة دون أي أرباح”.

لا يجني المزارعون هنا غير الهرب والعيش في خوف مستمر، وهم كما يصفون أنفسهم مواطنون في سراح مؤقت.

محمد أضبيب، أحد سكان دوار اسكساف بكتامة، قال في لقاء مع هسبريس: “نحن مهددون دوما..يمكن أن تجد نفسك معتقلا في أي لحظة، تتوجه للحصول على البطاقة الوطنية اليوم وفي الغد تعتقل، دون معرفة السبب..هل هي بذور القنب الهندي أو ضريبة بسبب قطع أشجار الغابة أو غيرها”.

وأضاف أضبيب: “لم يستفد أحد هنا من هذه الزراعة، إذا ما استفاد فربما في تسعينيات القرن الماضي، أما اليوم فلا، وحتى إن أراد الاستفادة يتم اعتقاله بسرعة ويتم الحكم عليه بعشر سنوات سجنا”.

أما الجواب عمن المستفيد من زراعة القنب الهندي فيكون موحدا: “من يستفيدون لا نعرفهم نحن ولا يصلون إلينا”.

وعرفت زراعة القنب الهندي تاريخيا في هذا المكان، وقبل قرن من الزمن كانت مناطق إنتاجه محصورة في كل من قبائل كتامة وبني سدات وبني خالد، أما اليوم فتوسعت الزراعة ونزلت من الجبال إلى السهول، كما عرفت التهجين.

يقول محمد اعبوت، صحافي وناشط حقوقي، إنه حينما تم نقل بذور القنب الهندي من الجبال إلى السهول لم تعد تعطي الإنتاجية نفسها، وبات المنتج ضعيفا، وهو ما دفع بعض الأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج إلى جلب بذور أجنبية عرفت حينها باسم “الباكستانية”، أو “خرذالة”.

وقال اعبوت إن هذه البذور أعطت إنتاجية أفضل في السهول، وهو ما أدى إلى توسيع زراعتها، إلا أنها مع المدة لم تعد تعطي الإنتاجية نفسها، ما دفع المزارعين إلى القيام بتعديل جيني.

وقال المتحدث ذاته: “توجد في هولندا وكندا بعض المختبرات التي تقوم بالتعديل الجيني للنباتات والمزاوجة بينها، وهو ما أعطى بذورا هجينة معدلة جينيا. وتم اكتشاف مجموعة من البذور سميت بالكثير من الأسماء، مثل كريكيتة وامنزيا وكونديكوش، وأخرى عديدة جدا”.

التعديل الجيني والانتشار الواسع لزراعة القنب الهندي شكلا أزمات مختلفة، سواء بيئية أو اقتصادية، وحتى صحية، حسب اعبوت، الذي قال: “التعديل الجيني مضر بالصحة؛ ذلك أمر أكيد، فالأمور الطبيعية لا تشبه غيرها، وما تنتجه البذور المهجنة ليس منتجا طبيعيا مائة بالمائة”، وزاد: “ما بقاش كيشبه الحشيش المعروف فالمغرب”.

وتابع المتحدث ذاته: “هناك ضرر أيضا على البيئة، فالبذور المهجنة تحتاج إلى الماء أكثر، في حين أن جبال الريف تعرف ندرة في المياه والوديان والآبار، ولهذا فهي تلقى إنتاجا أكبر بالسهول”.

كما شدد اعبوت على أن “الضرر الكبير هو على الواقع الاقتصادي في المنطقة، فالعرض أكثر من الطلب، ما شكل أزمة اقتصادية خانقة في جميع مناطق زراعة ‘الكيف’ وليس في جبال الريف فقط”.

وأكد الخبير ذاته أن “الزراعة المهجنة تعطي إنتاجا مضاعفا أكثر بخمس إلى عشر مرات حسب نوع البذور، في حين أن الدولة تحارب وتحبط بشكل يومي محاولات تهريب المخدرات، وبالتالي فالإنتاج يتراكم والثمن يتضاءل أكثر فأكثر، وقل بحوالي 80 بالمائة عن الثمن الأصلي”.

وقال اعبوت أيضا إن “الكيف” المغربي الأصلي بات نادرا اليوم، مردفا: “الكيف المغربي أو ما يعرف بالبلدية نادر في العالم، وينتج فقط في جبال الريف، بسبب جو تلك المناطق المختلف، خصوصا حينما نتحدث عن قبيلة بني سدات وكتامة وبني خالد”، وأضاف: “تتميز بعلو يتراوح ما بين 1600 و2000 فوق سطح البحر، وبقربها من البحر بحوالي 10 كيلومترات، ما أنتج هذا الطقس النادر جدا، وهو فريد من نوعه في إفريقيا، ونبتة ‘الكيف’ تأقلمت معه”.

ومقابل الواقع الموجود في كتامة، تتحدث أصوات عن تقنين زراعة القنب الهندي، فلأول مرة صادق المغرب على الاستخدام الطبي للنبتة ضمن اجتماع أممي، إلا أن التقنين بالنسبة لسكان المنطقة ليس حلا.

وقال أضبيب في هذا الصدد: “حتى وإن تم تقنين القنب الهندي لن نستفيد شيئا، سيستفيد فقط الأباطرة ومن لهم الأراضي واستثمروا في زراعتها..التقنين ليس في صالحنا، ما نريده هو أن يتم النظر إلينا بعين الرحمة وألا يتم التضييق علينا”، وأردف: “قاموا بإدراجنا في قائمة الإرهاب ونحن فقط أناس بسطاء. إذا ما استمر الأمر هكذا سنزداد ضعفا أكثر فأكثر”، وتابع: “نحن مقهورون ولو وجدنا البديل سنتخلى عن هذه الزراعة، نريد فقط بم نعيل أولادنا وأن نقوم بتعليمهم وأن نعيش مثل الناس”.

وأضاف المتحدث ذاته: “نحن نستقر هنا فقط لنجني 20 ألف درهم في العام، فيم ستفيدنا؟.. الوضع صعب.. نعيش في تهديد ولا أحد ينظر لنا بعين الرحمة”.

وتتحدث الساكنة عن ضرورة تحديد مناطق زراعة القنب الهندي أولا قبل التوجه إلى تقنين العملية، خاصة أن جبال الريف والمناطق التاريخية لزراعة القنب الهندي لا تصلح فيها أي زراعات أخرى.

وقال اعبوت: “قبل التفكير في التقنين أو في أي شيء آخر يجب التفكير في الحد من انتشار هذه الزراعات بالسهول لأنها صالحة لزراعات أخرى بديلة”.

في المقابل يطالب آخرون بحلول تنموية تخرج بهم من عنق الزجاجة، تنمي المنطقة وتضمن كرامة ساكنيها وتحمي أولادهم من الهجرة.

وقال محمد المرابط، فاعل جمعوي بالمنطقة: “نحن لسنا ضد البديل، إذا كان بديلا معقولا ومستداما..نطالب الدولة بإحداث مراكز للتكوين المهني ليجد أبناؤنا العمل بعدما يصقلوا مواهبهم، في انتظار تغيير هذه الزراعة التي نعيش بها؛ ففي نظر القضاء نحن في سراح مؤقت وفي نظر الأمن إننا خارجون عن القانون”، مطالبا أيضا بفك العزلة عن المواطنين وإيجاد الشغل للساكنة المحلية، وزاد: “إننا نعيش مثل العبيد”.

وباتت كتامة اليوم تعيش أزمة خانقة، ولعل المشكل الرئيسي بها ليس زراعة القنب الهندي، بل ما أصبحت تعرفه من انتشار للمخدرات الصلبة، فهل ‘الكيف’ غطاء لتجارة مخدرات أخرى هناك؟.

[embedded content]

hespress.com