في ظل التقدم الحاصل عالميا على المستوى التكنولوجي المتسارع والمذهل، يبرز تساؤل ملح يُطرح على كل الأصعدة، “أي مستقبل للثقافة والفن في العالم؟”، وهنا سنهتم بالإجابة عن الجانب الفني من السؤال بشكل خاص. فإلى أين يسير الفن مستقبلا؟ وأي مستقبل للفن عربيا في ظل التغيرات القائمة عالميا، والتي تلقي بظلالها وأنوارها على ثقافتنا وعالمنا العربي في زمن العولمة؟

وما هي وتيرة التغيير والتقدم الفني في العالم العربي بالمقارنة بما يحصل على الصعيد العالمي، والدول الكبرى خاصة؟ أسئلة وغيرها نحاول التطرق إليها من منطلق شامل، يمس بشكل خاص الجانب الفني والتشكيلي بكل ما تستدعيه التطورات التكنولوجية والثقافية، التي تتجلى حتى على مستوى الهوية.

الهوية والفن والعولمة:

بفعل العولمة والجسور التي فتحتها والحدود التي تجاوزتها، باتت الهوية أكثر تعقيدا وأكثر قابلية للتغيير والتعدد والانفتاح، إذ أصبح يرتبط سؤال الهوية اليوم بخطاب العولمة بشكل جد كبير، ثم إن هذا السؤال قد شغل التفكير الفني العربي طيلة العقود الأخيرة، ولعله مازال شُغله الشاغل، إذ في لحظة مهمة من تاريخ تطور الفكر الفني والتشكيلي العربي وجد الفنان العربي نفسه في موضع ضرورة للإجابة عن -أو على الأقل طرح- سؤال الهوية، “ومن نحن؟”. هذا السؤال الأخير الذي لم يقتصر على الفنانين فحسب، بل كان سؤالَ كل الطبقات المثقفة، إذ حاولت كل فئة الإجابة عنه بطرقها، من سوسيولوجيا وأدب وفن بصري وتاريخ وفلسفة… فكانت العودة دائما إلى التراث الفقهي أو الشعبي أو الفلسفي أو التاريخي والجغرافي وحتى الأدبي والأركيولوجي، عودة ضرورية… في محاولة مستميتة لإيجاد إجابات مستفيضة ونهائية -أو شبه نهائية- للأمر الذي أرق مضجع المثقف العربي- ومازال.

تتخذ مسألة الهوية حساسية فائقة أثناء الحديث عن الفنون التشكيلية عامة، إلا أن مفهوم الهوية يتم تناوله في هذا الحقل بطريقة تكاد تكون سطحية، لكونها تنزاح عن جوهر المسألة، إذ يلاحظ في أغلب الأحيان أن جل المهتمين والفنانين بالمسألة يميلون إلى اعتماد “المواضيع” المحلية وإلى الرموز (علامات الزرابي، الوشم، الخط العربي…)، فهل يكفي إدماج هذه العناصر بأي طريقة لتحقيق الهوية العربية”؟ إن المسألة لا تقف عند هذا الحد، وإلا سنكون قد رسمنا حدودا للممارسة التصويرية العربية، مع العلم أن الفن يرفض بل يتجاوز الإلزامات، والفعل الإبداعي يتطلب الحرية في أقصى الحدود، وهوية الفنان والعمل الفني لا يرتبطان –فقط- “بالأشياء” التي تحيل على البلد الذي ينتميان إليه [بنيونس عميروش، قراءات في التصوير المغربي المعاصر].

وبالمقابل فالحداثة التي جاءتنا محمولة عبر سُفن العولمة، تتسم، حسب جياني فاتيمو، بكونها “عبادة الجديد والتعلق الدائب بما هو طريف”، حيث إن الجديد يمحو ما جدّ قبله ويَجُبُّه، في تواتر دائم وجدل مستمر [محمد الشيكر، الفن في أفق ما بعد الحداثة].

ومن جهتها فإن ما بعد الحداثة ليست إزالة عباءات الحداثة الثقيلة فحسب، بل إعادة طرح الأسئلة السابقة، لكن بشكل مغاير بغاية إعادة الإجابة عنها عبر رؤى معاصرة، لا تبتغي أي أسطورية أو سرديات كبرى، بقدر ما تتجه نحو الإنساني الذي تجعله منطلقا وغاية وهدفا أسمى. ولقد غيّرت ما بعد الحداثة –كما يقول جون فرونسوا ليوتار- من القوالب الجاهزة وبعثرت القواعد والقوانين والأنظمة التي تبني الخطابات الفكرية والفنية والعلمية أيضا [جون فرونسوا ليوتار، في معنىى ما بعد الحداثة…].

من كل هذا تسعى ما بعد الحداثة -باعتبارها ليست حركة أو تيارا فنيا، بل تعبيرا لحظويا عن أزمة الحداثة، أو هي حداثة الحداثة- إلى إبراز الأزمات (أزمة السياسة، أزمة المجتمع، أزمة الديمقراطية، أزمة الفن…)، من حيث إن الأزمة تحتل مكانا كبيرا في سجال الفن المعاصر.

وبالتالي فإن أي حديث عن هوية ثقافية أو فنية عربية هو حديث يستدعي معه مستقبلا استحضار الإنسان في بعده العالمي والكوني، إذ إنّ الحدود الثقافية قد انصهرت، مساهما في ذلك التقدم والتطور الصناعي والتكنولوجي المحمول على مركبات العولمة الفائقة السرعة. فقد غدا الإنسان العربي أكثر التحاما وتواصلا مع العالم، فبكبسة زر يمكن التنقل بين كل بقاع الأرض وتقاسم وتشاطر المعارف والأفكار، وهو عينه ما يؤثر على تقدم وتغير وتطور الفنون في بلداننا العربية. ومنه فإن سؤال الهوية اليوم ومستقبلا هو سؤال الهوية المشتركة والمنصهرة.

تغيّر الفن:

الحديث عن تغير مفهوم الهوية وانصهار الهويات في هوية عالمية وإنسانية “شبه موحّدة” ألقى بظلاله على مجالات عديدة كان الفن من بين أهمها، لما يعرفه من سرعة فائقة في تقبل التغيير والتقدم. إذ يعرف عالم الفن البصري اليوم قفزات مذهلة ومدهشة، يقف أمامها المتلقي في حيرة تتراوح بين صعوبة فهم العمل الفني وإمكانية اعتبار الأغراض المعروضة أعمالا فنية من عدمها (أي مجرد أشياء). كل هذا يرافقه التقدم والتغيّر الحاصل على مستوى الأعمال الفنية عينها والتيارات التي تنتمي إليها. بل إن الفن في صيغته المعاصرة بات يطرح إشكاليات جد معقدة وملتوية ومتعددة، تخص الأثر وخاماته وطرق إنتاجه وزمنيته (مدة بقائه وصناعته وعرضه)، في ظل الحديث عن الزوال والاندثار والهش والعابر.

نماذج من المستقبل اليوم:

واليوم، وفي ظل ما يشهد الفن المعاصر من صراع على مستوى الأفكار والمفاهيم والابتكارات، نشهد ظهور من الفينة إلى الأخرى أخبارا متعلقة بحدث مدهش واستثنائي على مستوى العرض أو الأداء أو حتى العمل عينه. فمنذ أيام قليلة اندهش العالم بما قام به بانكسي Banksy (اسم مستعار لفنان بريطاني مجهول- 1974)، إذ وفي اللحظة التي بيع فيها عمله الفني “فتاة رفقة بالون” في مزاد علاني في لندن، بما مقداره مليون ومائتا ألف دولار أمريكي، دمّر العمل ذاته بشكل أوتوماتيكي (تلقائي).

خلق هذا الحدث ضجة واسعة في وسط المجتمع الفني، فالفنان وعبر منصة التواصل الاجتماعي (أنستاغرام) أقرّ بإدماجه في العمل قاطعة الورق منذ سنوات قبل عرضه للبيع العلني. وهكذا دمّرت اللوحة ذاتها أمام اندهاش وأعين الحاضرين. وقد طرح الأمر تساؤلات عدة بخصوص هذا الأمر، من قبيل: هل يتعلق الأمر بعرض فني؟ وكيف لعمل مماثل لم يتم تعيينه ومعرفة ما يحتويه؟ لكن المدهش أن العمل ما إن تم تخريبه حتى تضاعف ثمنه بما يقارب الضعف! فهل الحدث إذن نتاج تواطؤ بين الفنان وأصحاب الدار؟.

وفي حدث ثان، أحدث عرض “موزة” -قبل أسابيع قليلة- ملصقة على جدار معرض آرت بازل، وهي صالة مرموقة في ميامي بالولايات المتحدة، وقد بيع هذا “العمل الفني” مقابل 120 ألف دولار. وقد أطلق على هذا العمل صانعه الإيطالي ماوريتسيو كاتالين “كوميديان”، وهو عنوان مرتبط بسياق الفن المعاصر الذي يهتم بالتهكم والجدال وإثارة الأسئلة عبر العروض الطرائفية… وكان 3 أشخاص قد اشتروا المنجز. لكن الممثل دايفيد داتونا انتزع الموزة من اللوحة وأزال قشرتها ثم أكلها. وقال داتونا على حسابه على إنستغرام: “إنه عمل تمثيلي أديته، فأنا أحب أعمال ماوريتسيو كاتالين، وأحببت هذه اللوحة التي أرى أنها كانت لذيذة بحق”. ورغم الغضب الذي بدا على أحد أفراد طاقم العمل في المعرض في بداية الأمر، اكتفت الإدارة باستبدال ثمرة الموز بأخرى. وقال لوسيان توريس، أحد المديرين في المعرض الفني، إن “داتونا لم يدمر اللوحة. فالموزة هنا عبارة عن فكرة”.

يبرز هذا الحدث التطور الذي يسير إليه الفن والعمل الفني، نحو قفزة كبرى إلى تغيير المفاهيم، وإزالة هالة المقدس على المنجز الأصلي، فقد تم استبدال الموزة بموزة أخرى، من حيث إن الفكرة هي الأهم في العرض ككل… وأما الغرض فما هو إلا تجسيد مادي للفكرة (العمل الفني في حد ذاته). فلم يعد العمل الفني، كما تقول نتالي إينيك، يقيم في الغرض /الشيء. ولم يعد الفنان هو ذلك الإنسان الذي يقوم بتشكيل عمل بيديه، فما المعروض هنا سوى “موزة”، قابلة للزوال والاستبدال، بينما تظل الفكرة قائمة على الدوام، تخلدها الكتابات والتعليقات على وسائل التواصل المعاصرة والصور الفوتوغرافيا والفيديوهات… إذ لا يمكن فصل العمل الفني المعاصر عن “الخطاب المصاحب”، أو “حكي المصاحب” إن أردنا التدقيق. بل إن فعل “الحكي” /”السرد”، إلى جانب الشق البصري، يُعدّ هاما وأساسيا في بناء المنجز الفني المعاصر. وقد يكون في بعض الحالات فعل الحكي هو الفعل الوحيد المكوّن للعمل الفني المعاصر. الحكي هنا يأتي بمعان كثيرة ومتنوعة (تعاليق، مقالات صحافية، مقالات نقدية، كطالوغات، حوارات، فيديوهات، صور، قصاصات، نصوص معروضة إلى جانب العمل، حوارات شفاهية بين المتلقين…)، وقد يكون مصاحبا للعمل في أثناء عرضه أو قبله أو حتى بعده.

أما الحدث الآخر فمتعلق ببيع عمل فني تم تصميمه من قبل برمجية الحاسوب، لوحة “بورتريه إدموند بلامي” صنيعة خوارزميات حاسوبية، تم بيعها في المزاد العلني بما يناهز 432500 دولار أمريكي، شهر أكتوبر في مدينة نيويورك الأمريكية. فهل يمكن للآلة هي أيضا أن تنتج عملاً فنياً؟ وهل نحن أمام ثورة فنية جديدة أم يتعلق الأمر بمولد تيار من تيارات الفن المعاصر؟.

يعدّ هذا العمل أول “عمل فني” من صنع الذكاء اصطناعي تم بيعه في سوق الفن وفي مزاد علني، فقد تم ابتكار خوارزمية إنتاجه من قبل فنانين فرنسيين وضعوا الخوارزمية عينها في خلف اللوحة. ولإنتاج هذا العمل الفني: “لرجل خيالي” من الطبقة البورجوازية في القرن 19، اعتمد منتجوه على خوارزمية درست ما يقارب 15 ألف بورتريه تعود لحقبة ما بين العصر الوسيط ومطلع القرن 20. وقد تكلف برنامج حاسوبي ثان بتحسين دقة الصورة حتى تقارب الدقة البشرية. وتعلق هذا العمل بإثبات أنّ “الخوارزميات يمكنها مضاهاة الإبداع البشري”! ما يعني أن عملية الإبداع يمكن أن يحاكيها الذكاء الحاسوبي. لكن هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي فعليا هو مبدع هذه اللوحة؟ وأين يتمثل دور الأوصياء على هذا البرنامج؟ وإن أخذنا بكون هذا العمل قد أنتجه ذكاء غير بشري فهل نحن أمام عزل للإنسان من عملية الإبداع؟ إلا أن الأكيد هو أن هذا الحدث سيجعل من الفلاسفة اليوم يطرحون إشكاليات متعلقة بالإبداع وعلاقته بالإنسان المعاصر، بشكل قوي.
والأكيد، أيضاً، أن الإنسانية تعرف تغيرات وتطورات ملحوظة، ومن بين هذه التغيرات يأتي ما يعرفه الفن كجزء أساسي منها.

ما الذي يحدث؟:

إن عالم الفن المعاصر اليوم هو عالم السوق والأعمال، عالم تغلب عليه الرؤية الاستهلاكية التي تنطبع بالإغراء والبحث عن اللذة السريعة والدهشة. ويبين الحدث أهمية الفكرة في الفن المعاصر أمام العمل ذاته القابل للاندثار والزوال. إنه عمل دمّر نفسه لكن قيمته تضاعفت وتزايدت!.

المشترك بين عمل بانكسي ولوحة “بورتريه إدموند بلامي” هو الآلة، فالأول الميكانيكية دمرت العمل وضاعفت قيمته وأما الثانية الرقمية (الاصطناعية) التي صنعته وألغت الحضور الإنساني اليدوي في عملية الإنتاج. أما الثالث فهو صنيع فكرة، إذ إن العمل الفني بات شبه معزول عن صانعه، ولنا مثال في ما يقوم به بعض الفنانين الأكثر بيعا وصيتا في العالم، حيث يشتغل لديهم عمال كثر يقومون بإنتاج العمل بديلا عنهم. فقد صار الفنان بعيداً عن العمل، وقد سبق وأعلن أندري وارهول -في السياق ذاته – قائلاً: “على أحدهم أن يكون قادراً على صُنع كل أعمالي بديلاً عني”. فعديد من فناني الفن المعاصر غيّبوا أنفسهم عن عملية صنع العمل تاركين إياها لآخرين بدلاء عنهم، أمثال الفنان المعاصر فرونسوا موريللي؛ الذي أنتج أعمالاً كثيرة بمساعدة معاونيه، وكما هو حال الفنان الياباني الشهير تاكاشي موراكامي. وهنا بالتحديد بتنا أمام التدخل الصناعي للعمل الفني المعاصر، وبالخصوص بالنسبة للجيل الثاني المنتمين لهذا البراديغم؛ فصار إذن الفنان رئيس مؤسسة ومقاولاً.
مع هذه النماذج بتنا أمام تداخل بين الفنان والصناعي والاصطناعي، إذ في عمل بورتريه إدموند بلامي يتعلق الأمر بتدخل الذكاء الاصطناعي والحاسوبي في عملية الإبداع، ما خلق جدالاً واسعاً في العالم، مرتبطا بسؤال إمكانية اعتبار هذا العمل عملاً فنياً من عدمه!؟ وإن سبق وعرف العالم المعاصر نماذج “فنية” أنتجها الذكاء الاصطناعي، أهمها ذلك النص الشعري الذي كتبه محرك البحث غوغل Google، انطلاقاً من 11 ألف كتاب رقمي. ولوحة “رومبراندت” التي أنتجها حاسوب من صناعة ميكروسوفت بعد تحليل دقيق لأسلوب الفنان الشهير. بالإضافة لسيناريو الفيلم القصير Sunspring (9 دقائق) الذي كتبه برنامج حاسوبي متقدم، لكن كل تلك الأعمال لم تثر الضجة عينها التي أثارها “البورتريه”…

ماذا بعد؟: ‘المابعد’

لم تعد البرامج الحاسوبية والذكاء الاصطناعي تجيب عن المطلوب منها فحسب، بل إنها باتت “تُبدع”، لكنها -وكما يرى الرافضون لهذا العمل- مازالت تنقصها خاصيات اللمس والإحساس والعفوية والوعي واللاوعي… والتي يتحلى بها الفنان باعتباره إنساناً؛ ما يجعل العديد من الخبراء والباحثين لا يرون في ما يحدث أمراً يعادل الإبداع الإنساني. فالبرنامج الحاسوبي في نظرهم لا يتمتع بـ”الحدس البشري” -ولا حتى الحس- تلك السمة التي يتمتع بها الفنان، والتي تلعب دوراً هاماً في عملية الخلق والإبداع.

الفن اليوم إذن يعيش حالات من التطور والتغيير المرتبطين بما هو صناعي واصطناعي، وبتغير كبير في مفهوم الخصوصية والهوية، التي باتت أكثر انصهارا. بل إن أعمالاً كثيرة تم إنتاجها من قبل حيوانات (فيلة أو قردة أو قطط…) تم اعتبارها أعمالاً فنية، إلا أنها ظلت في رأي البعض عديمة الحدس أو العفوية، بالتالي إنها -فقط- صنيعة الخطاب الإعلامي الذي صاحبها. لكننا اليوم نشهد بداية عهد فني لم يعد فيه العمل الفني في حاجة إلى اليد البشرية لصنعه، وتتبناه دور عرض ومزادات علنية.. ما يطرح أسئلة كثيرة متعلقة بمستقبل الإنتاج الفني. فإلى أين يسير الفن والعمل الفني عربيا؟.

أي إجابة عن السؤال السابق يجب أن يتم ربطها بكل التغيرات المشار إليها، التي تمس مفهوم الهوية، التي أضحت أكثر انفتاحا وانصهارا، فلا وجود اليوم ومستقبلا لثقافة منغلقة ذات هوية محددة غير قابلة للانفتاح على العالم وباقي الثقافات. إذ إن العولمة بشكلها الاقتصادي المعاصر أنشأت جسورا وقناطر متشابكة تجعل من العالم بأسره قرية صغيرة. وأي مستقبل ممكن للفن العربي مرهون ومنذور لكل هذا التغير والتطور الحاصل على المستوى الثقافي والاقتصادي والصناعي والتكنولوجي العالمي… وقد وعي مجموعة من الفنانين المعاصرين العرب بهذا المعطى، فوظفوا في أعمالهم الفنية أدوات تكنولوجية، أو جعلوا من هذه الأخيرة منجزا فنيا في ذاته، مستغلين كل التقدم العلمي الحاصل، طارحين أسئلة مهمة وجادة بخصوص التراث والهوية وحتى المستقبل. كما ساهمت دول عربية في هذا التقدم الفني عبر ما أحدثته من متاحف كبرى ومتخصصة، وأستحضر هنا تجارب دول عربية وما قدمته من منشآت جمالية رائدة. لهذا فقد شكلت هذه التجارب قفزات هامة وذات قيمة عالية لتأسيس مجتمع عربي (من الخليج إلى المحيط)، يعتز بماضيه وتراثه وثقافته المتأصلة في الجذور العالمية، ساعيا إلى تطويرها وإنمائها متفاعلا مع المستجدات والمتغيرات.

hespress.com