بعد قرار تفعيل العلاقات الثنائية بين المغرب وإسرائيل، عاد الحديث من جديد إلى ما اعتبره البعض “استباقا أو استشرافا” لنشطاء وباحثين وفاعلين وإعلاميين وفنانين عندما قاموا بزيارة هذا البلد قبل أشهر وسنوات قليلة خلت، بينما رآه كثيرون حينها “خيانة للعهد ولفلسطين المحتلة”.

وفي وقت تعرض هؤلاء النشطاء والباحثون المغاربة ـ الذين وطأت أقدامهم إسرائيل ـ لوابل من الاتهامات بالتخوين والتخلي عن القضية الفلسطينية، كان من يدافع عنهم يرفضون التهم الجاهزة، ويدعون إلى مد اليد إلى إسرائيل من أجل فلسطين نفسها، ويحثون على زيارة هذا البلد للتعرف عليه عن كثب.

عبد الرحيم شهيبي، فاعل أمازيغي وباحث في معهد دراسات معاداة السامية والسياسات الدولية، هو أحد هؤلاء النشطاء المغاربة الذين سبق لهم زيارة إسرائيل رفقة وفود بحثية وإعلامية، وجد أمامه حينها “صكوكا” من الاتهامات والتهديدات، لكنه الآن يرى أن تلك الزيارات كانت فاتحة خير للقرار القاضي باستئناف العلاقات رسميا بين المغرب وإسرائيل.

يقول شهيبي في حديث لجريدة هسبريس إنه زار إسرائيل مرتين، وتعرض للكثير من التجريح والتخوين من طرف أفراد وتنظيمات تدافع عن القضية الفلسطينية، مردفا بأنه “لم يكن يعير أي اهتمام لكل تلك الشتائم”.

وزاد المتحدث ذاته أنه فهم منذ مدة أن “القضية الفلسطينية هي قضية فيها الكثير من الإيديولوجيا والقليل من الإنسانية”، على حد تعبيره، قبل أن يكمل بأن “الكثير من التنظيمات التي تدافع عن القضية الفلسطينية تحاول تنميطنا لتحقيق أغراض سياسية أو حتى شخصية لبعض الأفراد”.

وبسط الباحث ذاته ملمحا رئيسيا دفعه إلى الشك، متمثلا في التناول الإعلامي الكثيف للتوترات والصراعات بين حركة حماس وإسرائيل، التي تقع دوما في شهر رمضان.

وطرح شهيبي الكثير من الأسئلة عن السبب وراء وقوع هذه التوترات بالضبط في هذا الشهر الفضيل، قبل أن يتتبع ما ينشر في وسائل الإعلام بمختلف اللغات، ليصل إلى أن هناك بعض القنوات ذات التوجه ثنائي اللغة (العربية والإنجليزية بالخصوص) تقدم تحليلات مختلفة حسب الجمهور الذي تتوجه إليه، بحيث تنفخ في النار حين تتوجه للناطقين بالعربية، وتكون تحليلاتها رزينة نوعا ما في ما يتعلق بالجمهور الناطق بالإنجليزية.

وتبعها لهذه الشكوك، عمد شهيبي إلى زيارة إسرائيل للتعرف على هذا البلد عن كثب، فكانت أول زيارة له سنة 2015 للمشاركة في مؤتمر دولي نظمته وزارة الخارجية حول معاداة السامية، ثم زيارة ثانية تمت سنة 2017 رفقة مجموعة من المدرسين والصحافيين.

وبخصوص ما خلفته الزيارتان في نفسه، قال شهيبي للجريدة إن الفرصتين كان لهما بالغ الأهمية في تغيير منظوره نحو استشراف مستقبل العلاقات المغربية الإسرائيلية، إذ كانت فرصة للقاء مسؤولين إسرائيليين وزيارة مؤسسات سياسية ودينية، كما تصافح مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وزار مختلف ممثلي أطياف المجتمع الإسرائيلي، من دروز، وبدو، وطائفة أحمدية، ومسيحيين..

وتذكر المتحدث كيف أنه التقى مع آخر السفراء الإسرائيليين بمكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط آنذاك دافيد دادون، حيث تناقشا حول الأمازيغية والصحراء والتقارب بين المغرب وإسرائيل، كما وجد اهتماما كبيرا لدى المسؤولين الإسرائيليين بالمغرب وشؤونه.

ولفت الباحث الأمازيغي إلى أنه في إطار حديثه مع الناطق باسم رئيس الوزراء أوفير جندلمان، تم تناول موضوع الصحراء المغربية، وعندما سأله إن كانت إسرائيل تقبل الاعتراف بالصحراء المغربية مقابل تحقيق التقارب السياسي مع المغرب، كان جوابه آنذاك أنه يتفهم هذا الجانب، لكن إسرائيل تترفع عن التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب..

وذهب شهيبي إلى أنه خلال زيارته إلى إسرائيل، انبهر بالتطور العمراني والاقتصادي لهذا البلد، وأعجب كثيرا بالطريقة التي يتم بها تدبير التعدد الثقافي والديني هناك.

وخلص المتحدث إلى أنه فهم من خلال زياراته تلك أن “هذا البلد يستحق فعلا أن يكون نموذجا يحتذى به”، وأن “الكثير من الأشياء التي نراها في وسائل الإعلام مغلوطة ومؤدلجة”، وأن “تقارب المغرب سياسيا واقتصاديا يمكن أن يفيد الجميع، وقد يكون أساسا تستند إليه الدبلوماسية المغربية لخدمة كل قضاياه”.

hespress.com