قدم الأكاديمي المغربي سعيد بنسعيد العلوي صورة قاتمة عن واقع الثقافة في المغرب، اليوم، إذ قال في محاضرة ضمن سلسلة “حديث الخميس” التي تقدمها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط: “هناك شيء لا يسر في واقع الثقافة والعمل الثقافي بالمغرب”.

واستغرب العلوي المفارقة التي تسم واقع الثقافة في المغرب، بين المرتبة العالية التي تحتلها في الدستور، وبين التنزيل العملي لما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، داعيا إلى مراجعة النظرة إلى الثقافة، والعمل الثقافي، وأخذهما بجدية، من أجل الوطن ومن أجل غد مشرق.

وأكد العلوي أن الثقافة هي واحدة من الركائز الأساسية للتنمية، ضاربا المثل بفرنسا، حيث ينافس المردود المالي للعمل الثقافي المصادر الصناعية الكبرى، ويساهم بنسبة خمسة في المائة من الناتج الداخلي الخام، إذ بلغت القيمة المضافة للأنشطة الثقافية 57.8 مليارات أورو عام 2011، مقتربة من القيمة المضافة للأنشطة الفلاحية والغذائية التي تتجاوز بقليل 60 مليار أورو.

وأضاف العلوي أن وضعية الثقافة في المغرب تتحمل مسؤوليتها الدولة والأحزاب السياسية ومجالس الجهات والمجتمع المدني، مع تحميل الدولة المسؤولية الأكبر، باعتبارها الفاعل الأساسي في العمل الثقافي.

واستطرد المتحدث ذاته بأن المغرب، ومنذ حصوله على الاستقلال عام 1956، لا يولي العناية الكافية للثقافة، حيث لا تتعدى الميزانية المخصصة للعمل الثقافي أقل من 0.5 في المائة، بينما المعدل الأدنى الذي وضعته “اليونسكو” هو 1 في المائة.

وبخصوص مسؤولية الأحزاب السياسية، سجّل بنسعيد العلوي أن البرامج الانتخابية للأحزاب خلال الانتخابات التشريعية سنتي 2011 و2016 خلَتْ من كلمة “الثقافة”، باستثناء حزبين أو ثلاثة، مستغربا غياب الثقافة في برامج الأحزاب، ومتسائلا: “كيف لحزب سياسي أن تكون له رؤية فكرية وهو لا يتوفر على نظرة ثقافية؟”.

وشدد الأكاديمي المغربي على أن بناء المغرب الحداثي والديمقراطي “يقتضي منا أن نجعل الثقافة نصب أعينا”، مشيرا إلى أن العمل الثقافي يعد ركيزة أساسية للتنمية، “ولا يمكن الحديث عن التنمية الشاملة بإقصاء الثقافة”.

من جهة ثانية، توقف العلوي عند مسألة الهوية في علاقتها بالثقافة، قائلا إن سؤال الثقافة يرتبط بسؤال الهوية ولا ينفصل أحدهما عن الآخر، مشددا على أن الهوية المغربية متعددة الروافد ومنفتحة على الآخر وترفض الانغلاق والتقوقع على الذات.

واستطرد المتحدث ذاته بأن طبيعة كل اجتماع بشري متعددة، تضم مكونات إثنية ولغوية مختلفة، غير أن التعددية والاختلاف التي تستدعيهما طبيعة كل مجتمع تقتضي وجود عنصرِ لُحمة تربط بين مختلف مكوناته، موضحا أن العنصر الذي يلعب هذا الدور هو المشترَك الثقافي.

hespress.com