ضغوطات كثيرة تتعرض لها الإدارة الأمريكية الجديدة في ما يخص اعتراف “واشنطن” بمغربية الصحراء، إذ تسعى أطراف معادية إلى تقويض هذا الاعتراف “التاريخي” من خلال إشهار معادلة تحديد “الأولويات”، بينما يؤكد محللون أن “الأمر لا يتعلق بقرار تكتيكي للإدارة الأمريكية، بل هو قرار إستراتيجي ذو أبعاد دولية مرتبطة بتحديات الأمن القومي”.

الشرقاوي الروداني، الخبير في الشأن الإستراتيجي والأمني، أكد أن “النظام الدولي يعرف مجموعة من الأحداث المتسارعة والمتلاحقة التي من خلالها يمكن استشراف الإرهاصات المرتبطة بتحولات لا تساير في مجملها مصالح بعض الدول، ومن ثم تحاول بشتى الوسائل تدبير مناورات قذرة من شأنها خلق وهم يتماشى وعقيدتها السياسية، العسكرية والأمنية”.

واسترسل الجامعي المتخصص في الشأن العسكري والأمني بأن “منطقة شمال إفريقيا، كجميع المناطق، تعرف منذ مدة تحولات أصبحت تفرض نفسها على النظام الدولي الجديد؛ بيد أن جميع الملفات والصراعات الدولية ومحددات مناطق التوتر مترابطة، وهي عبارة عن نظام معادلات مركب ومعقد”.

واستطرد الباحث في تصريحه بأن “ما يقع في الصراع الأذربيجاني – الأرميني له تداعيات وارتباطات بما يقع في شرق المتوسط وجنوب الأطلسي، وتدافع غرب حوض البحر الأبيض المتوسط”.

“من خلال التطورات العسكرية والتنافس الشديد في خلق نقاط التأثير الإستراتيجي لدعم عمليات الانتشار عن بعد، أصبح العالم ومن خلاله القوى الدولية الفاعلة في معادلات جيو-استراتيجية كبرى، تهندس لمحاور جديدة من أجل ضبط إيقاعات الجغرافيا السياسية لمنطقتين تشكلان اليوم أهمية كبرى في معادلات النظام الدولي المقبل”، يوضّح الروداني.

ومن ثم، يقول المتحدث ذاته، فإن “منطقتي آسيا والقارة الإفريقية يمكن اعتبارهما ساحة فيها ستحسم المعركة الكبرى؛ مشروع NorthStream 2، مرورا بمعاهدة START التي تحدد التوازن في الصواريخ البالستية الحاملة لرؤوس النووية بين واشنطن وموسكو، وصولا إلى المشروع النووي الإيراني وتطوير طهران لصواريخ بالستية عابرة للقارات”.

واعتبر الباحث أن “النظام الدولي مقبل على فوضوية قد تحد من مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إستراتيجية عالمية لها حلفاء وقواعد ومسؤوليات أمنية حول العالم؛ وبالتالي فإن مواقف واشنطن ستكون مدروسة من جميع الجوانب، مع المؤسسات الكبرى التي تشكل قطب الرحى، التي لها إلمام دقيق بالملفات والمعطيات”.

كما قال الروداني إنه “مباشرة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، التي أظهرت حكمة الرؤية الاستشرافية للملك محمد السادس في جعل المملكة المغربية قوة دولية واعدة بكل تحمل الكلمة من معنى، أصبحت تطفو على السطح بعض الأعمال القذرة لخصوم المغرب”.

وفي هذا الصدد يشرح الخبير الدولي أنه “مباشرة بعد التولي الفعلي للرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن، خرجت بعض الأصوات غير البريئة، وحتى بعض الصحف الغربية التي تروج لتصريحات مسؤولين أمريكيين بارزين في الإدارة الجديدة”.

وأضاف الروداني أنه “على مستوى الخارجية يوجد أنتوني بلينكن، الذي يعتبر من أبرز الشخصيات الأمريكية التي خبرت ملفات السياسة الخارجية، وقد وصف اتفاقات أبراهام في واشنطن بأنها ‘تطور إيجابي للغاية’، لكنه يرى أنه من الضروري ‘الفحص الدقيق لالتزامات معينة’، تم التعهد بها لتشجيع الدول على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل”.

في هذا المستوى، يقول الروداني إنه من المتوقع أن تدعم الإدارة الأمريكية، وخصوصا وزارة الخارجية، التي تبني قراراتها برؤية ثابتة، عودة العلاقات العربية الإسرائيلية من أجل سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط.

وأبرز المحلل ذاته أن “وجود قوى محدثة للفوضى مع انتشار وكلائها الإقليميين قد يجعل هذا السلام يبنى فوق رمال متحركة، ومن ثم فإنه بدون إجراءات أخرى ملموسة قد نشهد انتكاسة سنة 1991 ومؤتمر مدريد، على الرغم من أن ملف إسرائيل وفلسطين سيكون مرتبة متدنية للغاية في قائمة أولويات الإدارة الحالية”.

كما أورد الروداني أن “هناك أصواتا من الإدارة الحالية تريد مزيدا من الوقت لدراسة مجموعة من الاتفاقيات المبرمة على هامش تطبيع بعض الدول الشرق الأوسطية مع إسرائيل، ومن جملتها بيع طائرات الشبح F 35، التي من المفترض أن يتم تعليق إنتاجها لدوافع تقنية، إذ رصدت مجموعة من البنتاغون حوالي 781 مشكلة تقنية بها، إلى جانب أن البرنامج مشترك مع مجموعة من الدول، من بينها تركيا، التي من خلال شرائها للمنصة S400 الروسية قد تعرض، حسب تقديرات خبراء البنتاغون، الطائرة الجديدة لأخطار”.

“كما أن من الأمور المنتظر مناقشتها ذخائر دقيقة التوجيه بتقنيات محددة من المفترض أن تصل إلى المملكة العربية السعودية؛ لكن من المتوقع ألا تكون القطيعة أو العدول عن القرار”، يزيد الروداني.

وشدد الخبير ذاته على أن “الإدارة الأمريكية من أجل تقييم الأهداف الإستراتيجية ستحاول إعادة دراسة الملفات العسكرية، شأن الحوثيين في اليمن، الذين من المفترض أن تتم إعادة النظر في إدراجهم في خانة الجماعات الإرهابية، لارتباط ذلك بحسابات أمنية واستخباراتية في المنطقة”.

وعلى مستوى ملف العلاقات المغربية الأمريكية واعتراف واشنطن بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، يقول الروداني: “هذا أمر محسوم، وهو تدبير إستراتيجي بأبعاد جيو-استراتيحية كبرى، وليس تدبيرا تكتيكيا من الإدارة الأمريكية الهدف منه التأثير على محددات ذات أبعاد داخلية في السياسة الأمريكية”.

ويزيد الروداني أن “بيان البيت الأبيض حول محادثات مستشار الأمن جاك سوليفان والمسؤول الأمني الإسرائيلي البارز مائير بنشبات، ودعم الإدارة الأمريكية الجديدة عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية، يظهر تملك الإدارة الأمريكية لمجموعة من التحديات”.

ويشرح الخبير أنه “على مستوى منطقة الشرق الأوسط أصبحت روسيا اليوم لاعبًا راسخًا، حيث أعادت إنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في سوريا، على غرار قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في طرطوس، كما تظهر توجهاتها في الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء بروز نقط ارتكاز محورية بين موسكو وتركيا”.

“هذه القواعد الروسية لها أبعاد ارتكازية تتجاوز عملياتها العسكرية في الداخل السوري، بل تشكّل أيضًا نقطة انطلاق عمليات أخرى في شرق ليبيا والساحل، وهناك توجهات للوصول إلى البحر الأحمر. وفي هذا الصدد، في حال أنشأت روسيا قاعدة بحرية دائمة في البحر الأحمر، كما هو مسطر له، وقاعدة جوية دائمة في ليبيا، سيسفر ذلك عن تداعيات بعيدة المدى على كل من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي؛ وبالتالي تغيير في موازين القوى على مستوى شريط القوقاز- البحر الأحمر شرق وغرب المتوسط. وفي هذا السياق، على إدارة بايدن دفع الحوار بين حلفائها ليكون شاملا؛ وإنعاش الحوار بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي حول قضايا المتوسط والشرق الأوسط وإفريقيا يحتاج إلى تقييم شامل حول ملفات مهمة وذات تأثيرات إستراتيجية”، يورد المحلل ذاته.

ويختم الروداني تصريحه قائلا: “واشنطن مطالبة اليوم بالتأكيد على مسؤولياتها والتزاماتها في الشرق الأوسط الأوسط، ليس فقط لأن لها مصالح حيوية فيه، وحلفاء وشركاء لا بدّ من دعمهم، وخصوما لا بدّ من مواجهتهم، ولكن، أيضا، لأن العالم ينظر اليوم إلى مدى مصداقية المؤسسات الأمريكية في ترتيب عالم ما بعد كورونا، لأن انتشار المناطق الرمادية يقوي من جاذبية القوى المنافسة، ويخلق فضاء مفتوحا يروج فيه كل ما من شأنه أن يساعد على قلب معادلات كبرى بتوجهات غير محسوبة”.

hespress.com