من ضيق أزقّة و”حواري” مدينة الصّويرة، خرج إلى عالم “الشّيوعية” الكبير كمناضلٍ يهودي يسعى إلى تحرير بلاده من الاستعمار الفرنسيّ ونشر أفكار كانت تكبرُ سنّه. سيمون ليفي كان واحدا من اليهود المغاربة الذي فضّلوا البقاء في “كنف” الوطن، على الرغم من إغراءات الهجرة خلال خمسينيات القرن الماضي؛ وهو وما زاده احتراماً بين الأوساط السّياسية.

وإلى جانب هذه الميزة الوطنيّة التي ارتبطت به، كان سيمون ليفي يمثّل صوتاً لليهود داخل البرلمان المغربي، حيث دافع باستماتة عن إحياء الثقافة المغربية اليهودية المهدّدة بالانقراض، بصفتها جزءا أساسيا من تاريخ وهوية المغرب، قبل أن يعمد إلى تأسيس مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، إلى جانب متحف يعرض في مقرّه جزءا من هذا التراث.

بدأ سيمون ليفي حياته المهنية كناشط شيوعي في عام 1954، أولاً في سياق العمل الطلابي، ثم في الهيئات الإدارية لحزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي سابقًا) وكنقابي في الاتحاد المغربي للشغل (UMT). وهو مؤلف للعديد من الأعمال حول تاريخ اليهودية المغربية.

وخلال عام 1956، تخرّج النّاشط الشّيوعي المعروف بحماسهِ ونيرة أفكاره في الآداب باللغتين الإسبانية والبرتغالية، وفي عام 1958 حصل على شهادة DES حول موضوع “حرب الريف، في عهد ألفونسو الثالث عشر”، ودكتوراه الدولة عام 1990 حول موضوع “صالات الاستقبال العربية.. يهود المغرب: الخصوصيات والاقتراضات. التاريخ وعلم اللغة الاجتماعي وجغرافيا اللهجة”. أدى ارتباطه بشخصيته المغربية بكل مكوناته إلى تأسيس المتحف اليهودي في الدار البيضاء عام 1997. “إنه المتحف اليهودي الوحيد في العالم العربي”.

ظلّ النّاشط اليهودي يدافع عن أفكاره ويجهر بها في الملتقيات والأنشطة الثّقافية، بحيث دعا إلى تدريس تاريخ اليهود وإدماجه في المقرّرات الدّراسة، وشدّد في حوار مع مجلة “إيلاف” على أنّ “الطامة الكبرى في المغرب هو التعليم، هل يعقل أنه خلال 50 سنة من نيل المغرب استقلاله لم تستطع الدولة إخراج كتاب مدرسي واحد في الإعدادي أو الثانوي يخص التاريخ ويقول إن هناك مغاربة من ديانة أخرى غير الإسلام وهي الديانة اليهودية”.

وتابع ليفي حديثه بشأن تاريخ اليهود وإدماجه في المقرّرات الدراسية: “في الوقت الذي يعتبر فيه تاريخ اليهود المغاربة جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحضارة المغربية يهمل الحديث عن المغاربة من الديانة اليهودية. هذا في الوقت الذي كثر فيه من جهة أخرى الكلام الرسمي عن التعايش الحقيقي والذي نلمسه ونعيشه. وفي الوقت نفسه نرى دور الجماعات اليهودية بالمغاربة في الحياة السياسية، بما فيها عملية البحث عن السلم في الشرق الأوسط”.

وإلى جانب نشاطه الثّقافي والنّقابي، انتخب سيمون ليفي مستشارًا بلديًا لمدينة الدار البيضاء من 1976 إلى 1983، وكان مسؤولاً عن القطاع الاجتماعي والثّقافي الذي أنشأ العديد من مكتبات ومراكز التدريب المهني. وكان سيمون ليفي رئيس تحرير جريدة الجماهير الأسبوعية “لا نيشن” (1958-1959)، قبل أن يشارك لفترة طويلة في هيئة تحرير صحيفة “البيان” اليومية.

وقد اهتم سيمون ليفي، منذ مرحلة من عمره، بالسياسة. وشكّل انتخابه، بأغلبية ساحقة، مستشارا لبلدية أكادير عام 1992 نقطة مضيئة في مسار التّعايش المغربي بمكوناته الدّينية. وفي يونيو 1997، أعيد انتخابه في الدائرة الـ39 من أكادير، حيث كان يحظى بتقدير المواطنين المغاربة الذي انتخبوه ثم أعادوا انتخابه، قبل أن ينضمّ إلى مجلس المستشارين في انتخابات 5 دجنبر 1997، باعتباره النائب اليهودي الوحيد في العالم العربي الإسلامي.

وترك النّاشط اليهودي، الذي توفّي سنة 2011، متحفاً يضمّ تاريخا غنيا وثقافة ضاربة في القدم؛ من ملابس وأدوات وحتى ورشة مجوهرات، وشهادات عن تاريخ وحياة الجالية اليهودية المغربية، عمرها ألفي عام.

وبعد وفاته في 2 دجنبر 2011 في الرباط عن عمر يناهز 77 عامًا، بعث الملك محمد السادس برسالة تعزية إلى أسرة الرّاحل سيمون ليفي، ورد فيها: “نتذكر صفات الرّاحل البارزة، قيمه الإنسانية النبيلة، قوميته الصادقة، منذ أن التحق في سن مبكرة بالحركة الوطنية للدفاع عن حرية المغرب واستقلاله ووحدة أراضيه، مع بقائه متمسكًا بالثوابت. وقيم المملكة وكذلك سيادتها”.

hespress.com