تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي أحد أهم تكنولوجيا الاتصال الحديثة في السنوات الأخيرة التي ساعدت الإنسان على توطيد علاقاته الاجتماعية ومشاركة آرائه مع غيره؛ فقد أحدثت هذه الشبكات نقلات نوعية كبيرة في حياة الناس.

كما في جميع دول العالم، ازداد مؤخرا الاهتمام في المغرب بالتكنولوجيا بجميع أشكالها وفي جميع الميادين، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، من أجل تسهيل التعبير عن المشاعر والأفكار بكل وضوح عن طريق تكنولوجيا الاتصال الحديثة بكل أنواعها ووسائلها.

وسائل التواصل الحديثة ساهمت في ولوج المئات من الشباب المغاربة مجال السينما الرقمية، وباتت أعمالهم تنقسم إلى مجموعة من التخصصات، فمنهم من اختص في الأفلام القصيرة والكوميدية والتاريخية والاجتماعية، ومنهم من أصبح مختصا في “الكاميرا الخفية”.

شباب النقوب

لجأ مؤخرا عدد من الشباب المغاربة إلى فتح قنوات على منصة “يوتيوب” من أجل عرض مقاطع فيديو متنوعة المحتوى ما بين كوميديا ومقابلات وقصص مثيرة وأفلام اجتماعية وتاريخية، لكسب الرزق ومحاولة التغلب على البطالة، إلى درجة أصبح تقريبا لكل مواطن قناته الخاصة.

شباب منطقة النقوب الواقعة بإقليم زاكورة، جهة درعة تافيلالت، من الشباب المبدعين في هذا المجال بالجنوب الشرقي للمغرب، حيث قاموا بعرض مجموعة من الأفلام على منصة “يوتيوب” رغبة منهم في صون الذاكرة المحلية للمنطقة، وتقريب الجيل الحالي والأجيال القادمة من أهم المحطات التاريخية والبطولية للمنطقة.

الأعمال المصورة لشباب النقوب على “يوتيوب”، أغلبها يعيد المشاهد إلى الحقب التاريخية الماضية، خاصة ما يتعلق بحرب أيت عطا مع المستعمر الفرنسي في مناطق عدة بإقليمي زاكورة وتنغير وصولا إلى جبل بوغافر، بالإضافة إلى تذكير المتلقي بمجموعة من العادات والتقاليد الضاربة في التاريخ، والقوانين المعمول بها في سنوات الاستعمار وما قبلها.

سعيد ايت لحساين، شاب من النقوب، قال إن الأعمال الفنية التي تعرض من قبل الشباب على منصة “يوتيوب”، “يتابعها عدد مهم من المشاهدين بالنظر إلى جودة محتواها”، مشيرا إلى أن “هؤلاء الشباب يحاولون عرض أعمال طالما يبحث عنها المشاهد المغربي بصفة عامة، بعيدا عن الأعمال الفنية المألوفة في القنوات الرسمية المغربية”.

وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “المحتوى المعتمد من طرف شباب النقوب فرض نفسه في السنوات الأخيرة، وأصبح عنصر جذب للمتابعين، وحقق مشاهدات عالية”، مشيرا إلى أن “هؤلاء الشباب ليس همهم البحث عن المال أو الشهرة، بل من أجل صون الذاكرة المحلية والتراث اللامادي للمنطقة”، بتعبيره.

مجهودات ومعاناة

يدير لحجامي، واحد من الشباب المساهمين في إخراج عدد من الأفلام الرقمية بمنطقة النقوب إلى الوجود، قال إن “منصة يوتيوب أتاحت الفرصة للشباب صناع الأفلام بمختلف أنماطها لإبراز مواهبهم في تصوير وإخراج الأعمال الفنية الخاصة بهم، سواء الوثائقية أو الكوميدية أو الاجتماعية، والأفلام القصيرة الروائية التي تتناول مواضيع مهمة طالما كان المشاهد متعطشا لها”، وفق تعبيره.

وأضاف لحجامي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الهدف من لجوء الشباب إلى تصوير هذه الأفلام الوثائقية ليس حبا في المال، بل رغبة منهم في التعريف بالمؤهلات التي تزخر بها هذه المنطقة خاصة، والجنوب الشرقي عموما، في مجالات متعددة، خاصة المواهب الشبابية التي تزخر بها منطقة النقوب”.

جودة محتوى الأفلام المصورة على “يوتيوب”، لم تشفع لشباب النقوب من أجل عرض أفلامهم عبر القنوات الرسمية العمومية بالمغرب، بالإضافة إلى المعاناة التي يتجرعون مرارتها بسبب غياب وسائل متطورة للتصوير وإمكانيات أخرى تساهم في عرض أعمالهم.

وفي هذا الإطار، قال لحجامي إن “من بين المشاكل التي تواجه شباب منطقة النقوب في الاستمرار في تصوير وعرض أفلامهم، تلك المتعلقة بوسائل التصوير”، موضحا أن “جل الأفلام المعروضة يتم تصويرها بوسائل بسيطة وإمكانيات ذاتية”، ملتمسا من القطاعات المعنية مد يد المساعدة لهؤلاء لتطوير أدائهم وإبراز مواهبهم في هذا المجال.

وطالب المتحدث ذاته وزارة الثقافة والقطاعات المعنية بالشباب بـ”تخصيص الدعم المادي لفئة من الشباب صناع الأفلام الرقمية، خاصة التي تتميز بمحتواها الجيد، وتنظيم دورات تكوينية لصقل خبراتهم وتنمية مهاراتهم في مختلف فنون صناعة الأفلام”، مؤكدا أن مجال صناعة الأفلام الرقمية له مستقبل واعد.

مواقع مهمة للتصوير

ياسين شوقي، واحد من الشباب المشاركين في صناعة أفلام رقمية وثائقية عن المنطقة، أورد أن منطقة النقوب، المعروفة بـ”بلدة 45 قصبة”، تتوفر على مواقع عدة مهمة صالحة لتصوير أفلام عالمية، ودعا المخرجين إلى زيارة المنطقة لتصوير أفلامهم والمساهمة في التنمية المحلية، والمساهمة أيضا في إبراز مواهب الشباب في المنطقة.

وشدد شوقي، في تصريح لهسبريس، على أن “المنطقة رغم توفرها على مؤهلات طبيعية، فإنها لم تنل بعد حقها من التنمية وفي مجالات متعددة، خاصة تصوير الأفلام”، موضحا أن “الأفلام الرقمية التي يتم عرضها من طرف شباب النقوب ساهمت بشكل كبير في التعريف بالمنطقة، رغم أن هذه الأعمال تكون محصورة على منصة يوتيوب”.

وأضاف المتحدث ذاته أن المؤهلات التي تزخر بها المنطقة ساهمت في جودة المحتوى المقدم من طرف شباب المنطقة على منصات التواصل الاجتماعي، مبرزا أن “المنطقة غنية بمؤهلاتها الطبيعية والتاريخية، لكنها مهمشة تنمويا واقتصاديا، لعدة اعتبارات”، ملتمسا من المخرجين المغاربة، وحتى الأجانب، اعتماد المناظر الطبيعية التي تزخر بها المنطقة في أعمالهم الفنية.

وتابع شوقي أن شباب النقوب يحاولون قدر استطاعتهم إبراز مواهبهم في مجالات عدة، خاصة ما يتعلق بصناعة الأفلام الرقمية، موردا أن “الشباب المحلي لم يستفد من الدولة شيئا في هذا الإطار في السنوات الماضية، وحان الوقت أن يعطى له نصيبه من الاهتمام والدعم والمساندة، كباقي شباب المناطق الأخرى”.

القنوات التلفزية لا تدعم الشباب

أجمع عدد من الشباب المهتمين بصناعة الأفلام الرقمية بمنطقة النقوب، خاصة المتعلقة بالأفلام الوثائقية، أن منصة “يوتيوب” لها فضل كبير في عرض منتوجاتهم الفنية، موضحين أن المنصة تقدم لهم ما لا تقدمه القنوات التلفزية العمومية المغربية.

وعبر هؤلاء الشباب عن رغبتهم في استقبال أعمالهم الفنية من طرف القنوات العمومية، خاصة القناة الثامنة التي تهتم بالشأن الأمازيغي، مشددين على أن “جل الأفلام الوثائقية الشبابية المصورة بالنقوب لها محتوى ومضمون جيدان، وتتوفر على شروط عرضها في القنوات العمومية، إلا أن التهميش والإقصاء هما سيد الموقف”، بتعبيرهم.

hespress.com