في حي المقاومة ببني ملال، عاصمة جهة بني ملال-خنيفرة، حيث يقاوم الناس من أجل العيش الآمن، تتكشف صور البؤس في كل الأمكنة، وتتراءى كوابيس الموت في الجدران الآيلة للسقوط، كما تختنق الأنفاس جراء اهتزازات الكهوف، ما يوحي بأن لا شيء يشد إلى هذه الحياة غير الفقر المدقع والهشاشة.
في تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس الإلكترونية، التي زارت الحي بعد مصرع سيدة يوم الخميس الماضي إثر انهيار منزلها، تحدث سكان مجموعة من المباني الآيلة للسقوط بالحي المذكور عن فشل مقاربة الدولة لهذا الملف، معبرين عن جحيم الحياة التي يعيشونها، مشيرين إلى أنهم باتوا يشمّون رائحة الموت يوميا من صدى الجدران “المشقوقة” والكهوف التي تهتز تحت أقدامهم.
في بيت مينة عاطف، القاطنة بالحي المذكور، الممتد على حوالي 50 مترا مربعا، تملأ رائحة الرطوبة جميع أرجائه، وتبدو أسلاك الكهرباء عارية على يمين العتبة، وبالبهو الذي لا تتجاوز مساحته مترين تظهر ثقوب بالقرب من مرحاض ضيق على سطح الأرض، قيل لهسبريس “إنها تطل على كهوف المدينة القديمة، وتلخص حكاية الكوابيس المزعجة”.
وقالت مينة باستعطاف: “نناشد جلالة الملك أن يطلع على أحوالنا، فالوضع بات سيئا وأغلب هذه المنازل قد تتحول إلى مقبرة جماعية، وطلب السلطات الخاص بإجراء الخبرة للمنزل لا معنى له في ظل هذا الوضع، فأنا أرملة بالكاد أضمن لقمة العيش لأبنائي، فكيف لي أن أوفر مالا لإجراء الخبرة في مثل هذه الظروف الصعبة؟”.
وبالزنقة ذاتها، أكدت بشرى الملقبة بـ “الفاسية” أن كل البيوت تهالكت جدرانها وملأتها الشقوق، ويمكن أن تتسبب في أية لحظة في مأساة إنسانية، لافتة انتباه المسؤولين إلى أن “الوقت بات في غير صالح القاطنين، كما أن لا أحد يرغب في أن تتكرر فاجعة الخميس، حيث لقيت سيدة طيبة بالحي مصرعها تحت الأنقاض”.
وناشدت المتحدثة كل الجهات المنوط بها تتبع المنازل الآيلة للسقوط، التدخل لإنقاذ هذه الأسر، من خلال توفير مساكن جديدة لها، مشيرة إلى أن الأهالي باتوا قاب قوسين من التشرد والمبيت في العراء، وأن كثيرين منهم توصلوا بإشعار الإفراغ منذ ما يزيد عن أربع سنوات دون أن تتدخل السلطة لترحيلهم، ما يكشف-بحسبها-أن هناك إكراهات أخرى لم تجد طريقها إلى الحل بعد.
وقالت “الفاسية”: “لقد استنفدنا كل وسائل التواصل مع الجهات المعنية، بحيث سبق لنا أن عبرنا عن خوفنا مما حدث بالأمس، وتحدثنا عن الموضوع مرارا وتكرارا لمختلف وسائل الإعلام، ومع ذلك لا آذان صاغية. لذا، نرغب في أن يصل صوتنا إلى العاهل المغربي، ملك الفقراء، وأن يتحول الموضوع إلى قضية رأي عام”.
وقال عبد الإله أوشتان، قاطن آخر في الحي المذكور، بغضب: “إلى متْنا تحْتْ التراب بْلا ما يْجيوْ يْخرْجونا كيفْ مَّا جْرى لفقيدة الحي. نحن نريد حلولا فورية لمغادرة هذه البيوت قبل فوات الأوان، نريد سكنا لائقا وليس إشعارات بالإفراغ”، مؤكدا بدوره أنه يعيش وأسرته رعبا متواصلا ويخاف أن تتحول داره في يوم ما إلى مقبرة.
وذكر المتحدثون لهسبريس، بعدما أكدوا أنهم ليس بإمكانهم توفير مبالغ مالية للانتقال إلى مستقر آخر، أن المنازل المهددة بالسقوط جلها معلوم لدى السلطات المعنية، وتوجد على قائمة إحصاء اللجنة المخول لها الاشتغال على هذا الملف، معبرين عن حاجتهم اليوم قبل الغد إلى بيت يحميهم من موت شبه محقق، مشيرين في تصريحات مماثلة إلى ضرورة إجراء تقييم شامل جديد لمدى صلابة أو هشاشة كافة منازل الحي التي ما يزال يقطنها المواطنين.
وأفادت مصادر مطلعة هسبريس بأن السلطات المحلية لمدينة بني ملال أخلت المنازل المتواجدة بجوار المنازل المنهار الخميس الماضي، كما جرى تطويق الزنقة بحواجز حديدية خوفا من حدوث فواجع أخرى، مذكرة بأن الجهات ذاتها كانت قد شرعت في إفراغ بعض الأسر من المباني الآيلة للسقوط بغية هدمها، لكنها اصطدمت برفض السكان نتيجة غياب تفاهمات بين أرباب المنازل والمكترين، ما حال دون إتمام عملية الترحيل المؤجلة.
وأوضح عبد الواحد العسري، نائب رئيس المجلس الجماعي لبني ملال، أن المجلس على أتم الاستعداد للبحث عن كل المخرجات التي تدعم حل المشكلة بهدف القضاء على أي مظاهر للخطورة على حياة المواطنين، مشيرا إلى أن المنازل الآيلة للسقوط مبنية على شبكة كهوف متواصلة فيما بينها كشفتها مجموعة من الدراسات الخاصة المنجزة في هذا الشأن.
وذكر العسري أنه جرى اجتماع موسع لاتخاذ تدابير استعجالية، من ضمنها محاولة إجراء القرعة لفائدة ثلاث عائلات مجاورة للمنزل المنهار فضلا عن صاحب هذا الأخير، قصد الاستفادة من بقعة بتجزئة النور ومبلغ مالي يقدر بمليونيْ سنتيم، مضيفا أن السلطات تكفلت برعايتهم وإيوائهم حاليا.
وقال العسري إن “المجلس الجماعي يتابع عن كثب هذه العملية منذ سنة 2013، ويشعر بخطورة الوضع، وقد تم إحصاء 764 دارا مصنفة في هذا الإطار، 193 ذات خطورة متوسطة و314 ذات خطورة حادة وعالية، بالإضافة إلى هدم 257 منزلا”.
وأضاف أن المجلس “أصدر 590 إشعارا بالإفراغ و320 قرارا بالهدم”، مشيرا إلى أن 195 أسرة فقط هي التي استجابت لقرارات الإفراغ، فيما استفادت 166 أسرة من بقع أرضية ومليونيْ سنتيم بتجزئة النور، داعيا باقي الأسر إلى التفاعل مع إشعار السلطة المحلية حفاظا على سلامتها وأمنها.
من جانبها، كانت ولاية جهة بني ملال خنيفرة قد أوضحت في بلاغ لها، متوفر لدى هسبريس، أنه بالنظر إلى الخطورة التي بات يشكلها واقع هذه الظاهرة، فقد سبق أن تمت مباشرة عملية معالجة البنايات المهددة بالانهيار بالمدينة العتيقة وإعادة إيواء قاطنيها، وذلك في إطار اتفاقية شراكة بين وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة وولاية جهة بني ملال خنيفرة وجماعة بني ملال وشركة العمران، بمبلغ ناهز 35,615 مليون درهم.
وذكرت أنه تم رصد مبلغ مالي إضافي يقدر بحوالي 2,1 مليون درهم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خصص لإتمام عملية الربط الاجتماعي بشبكة التطهير السائل الذي يعد من بين الأسباب الرئيسية لانهيار هذه البنايات، كما تم بالموازاة مع ذلك، إحداث خلية لليقظة مكلفة بتدبير وتتبع ملف البنايات المهددة بالسقوط بالمدينة القديمة لبني ملال.