يشكل النعل التقليدي الخاص بالنساء “الشربيل” المراكشي الأقدم إلى جوار الفاسي والصويري، لارتباطه بفترات تاريخية تعود إلى زمن المرابطين والموحدين بالمغرب، ما يجعله أيقونة ثقافية لا تخلو منها الأعياد الدينية والوطنية ومناسبات الأفراح.

ولأن دار المخزن كانت دائما مركز تدبير الحياة العامة، فقد كانت نموذجا يقتدى حتى في اللباس والنعال، فكان “الشربيل” في البداية خاصا بـ”حريم المخزن”، وبعدها بدأ يحضر لدى الفئات الاجتماعية الأخرى، من قبيل النساء الثريات، والمنتميات إلى الفئة الوسطى، ليصبح في متناول الفئات الاجتماعية الدنيا.

و”الشربِيل” كلمة إسبانية “Servilla” ترجع إلى زمن الأندلس في القرن السادس عشر الميلادي، حسب المستشرف الهولندي ريِنهارت دوزِي، ودخلت المجال التداولي العامي المغربي لتشير إلى نعل مصنوع من الجلد المُرَّاكشى، مطرزً بالذهب والحرير، تحضره أنامل صناع كانت تعج بهم حنطة السماطة بسوق السمارين بالمدنية العتيقة.

فيما يؤكد عبد الهادي التازي، المؤرخ المغربي وعضو أكاديمية المملكة المغربية، أن “الشربيل” يكون دائمًا “مقصَّبا”، كما هو معروف عند المغاربة إلى حدود اليوم، تلبسه النساء المغربيات للزينة عند خروجهن.

مليكة العاصمي، شاعرة مراكشية، أوضحت أن “مراكش كانت مدينة علمية من أهم معالمها الجامعات التي علمت أوروبا، وأخرجتها من ظلمات العصور الوسطى، ونابت عن قرطبة وإشبيلية وبغداد”، وواصلت في تصريح لهسبريس: “كان فناء الجامع المرابطي ثم الموحدي فناء بعض جامعات مراكش القديمة التي تداعى إليها كبار علماء الزمان، كما نمت معها أنشطة كثيرة، والحكايات والأمثال الشعبية، والتقاليد والعادات المراكشية، التي ميزت خصوصية بهجة الجنوب وحضارتها”.

محمد بوقدير، من جمعية سوق السماطة بالمدينة العتيقة، أوضح أن “الشربيل” المراكشي، الذي يسمى “الطلاعة المراكشية”، كان موضوع عناية، “لما لهذا النعل الذي تتزين به نساء المغرب، في حفلاتهن الدينية والوطنية وأفراحهن، من قيمة ورمزية”.

“كان الشربيل المراكشي يصل إلى كل المدن المغربية انطلاقا من حنطة المزايدات (الدلالة)، بسوق السمارين، التي يحضرها تجار المغرب، ما يبين درجة استهلاك هذا النعل، ودوره في الحركة الاقتصادية للصناعة التقليدية”، يضيف هذا الحرفي في لقاء مع هسبريس بسوق السمارين.

“أما اليوم فهذا النعل، الذي يزين أقدام العرائس والفتيات، يسير نحو الانقراض بسبب منافسة صناعات دول أخرى تسمي نفسها تقليدية وما هي كذلك، إلى جانب ولوج غير المؤهلين لهذه الحرفة، ما أدى إلى قتلها، وننادي بإحيائها”، يورد الصانع نفسه.

وعن مكونات “الشربيل” المراكشي، أوضح بوقدير وهو يحمل نعلا بين يديه أنه يتكون من “طرز تخرازت، الذي انقرض اليوم حرفيوه المهرة، ويتطلب يوما كاملا، وبعدها تأتي لحظة ‘تخراز الفراش’، ثم ‘خرز النعال والتبطين’، وتشكل لحظة التحسينات المرحلة الأخيرة”.

وأشار الصانع ذاته إلى أن “الشربيل” المراكشي الذي يزين أقدام نساء المغرب، في الحفلات والأعراس، ويزيد مشيتهن جمالا، “يقطع سلسلة مؤلمة من دار الدباغ إلى مروجه، مرورا من يد الصانع بحنطة السماطة بسوق السمارين”، مستدلا على ذلك بكون عملية “التخراز” تتطلب لوحدها وقتا طويلا.

وطالب الحرفي نفسه بضرورة “ترسيم الزي التقليدي في كل المناسبات، وأن يكون حاضرا في المؤسسات التعليمية”، محملا المسؤولين عن الصناعة التقليدية مسؤولية “تهميش هذه الحرفة، وعدم إيلاء التكوين والتكوين المستمر العناية اللازمة”.

هشام القبائني، واحد من تجار المنتجات الجلدية بسوق السمارين، أكد من جهته أن “الشربيل” المراكشي تراث مادي وجب الاهتمام به، “لأنه رمز مغربي يلقى الإقبال في السوق الداخلي والخارجي معا”، مضيفا: “هذا النعل يجذب الزبون خارج المغرب حين ننظم معارض بأسواق دولية”؛ وطالب هو الآخر بضرورة إيلاء هذه الحرفة التي تسير نحو الانقراض العناية اللازمة، “فالصانع الذي يقضي نحبه يحمل معه هذا الكنز إلى قبره، ولا يترك خلفا، ما يجعل الشربيل المراكشي يسير نحو المجهول، في وقت يحتاج إلى تشجيع، لأنه يرمز إلى تاريخ الأجداد، وتسأل عنه النساء ويشتريه الرجال كهدية وكسوة لهن”، وفق تعبيره.

وعن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصناعة التقليدية قال المدير الجهوي هشام البردوزي في تصريح لهسبريس: “خصصنا برنامجا لتسجيل الحرف المهددة بالانقراض لتصبح ضمن برنامج تكوين المقبلين على التدرج المهني”، مضيفا: “كما نبحث عن مسار آخر لهذه الحرف، يتماشى مع متطلبات العصر”.

وأوضح المسؤول ذاته أن عددا من الحرف التقليدية مهددة بالانقراض، “كصنعة الجلد المطروز، وتقشير الجلد وطرزه”، مؤكدا أن وزارة الصناعة التقليدية تبحث عن بدائل تمزج بين الإبداعات التقليدية وضرورات الحياة المعاصرة”.

hespress.com