مكنت الإجراءات الاحترازية المتخذة من طر ف المغرب للتصدي لجائحة كورونا من تفادي الأسوأ على مستوى الحالات الحرجة والوفيات، خصوصا بعد ظهور طفرات متحورة من الفيروس بالهند وإنجلترا. وبالتالي أصبح استقرار الوضعية الوبائية بالبلاد يشكل فرصة سانحة لإعادة تشغيل القطاعات الاقتصادية المتضررة من تداعيات الجائحة، ومن خلال مواصلة تعميم عملية التلقيح لتحقيق مناعة جماعية سكانية متم شهر دجنبر 2021.

ولإنجاح خطة الانتعاش الاقتصادي لمرحلة ما بعد كورونا يتعين توفير الشروط الملائمة لإقلاع اقتصادي مندمج ومستدام؛ أولها إرساء إجراءات عملية للدعم، غير تلك التي تقررت في إطار لجنة اليقظة الاقتصادية خلال مراحل الحجر الصحي الشامل والجزئي لسنة 2020، والمتعلقة بالدعم المالي للنسيج المقاولاتي المتضرر من الجائحة.

وتتعين بلورة عمليات للمصاحبة المالية والمواكبة التقنية لإعادة تشغيل المقاولات المغربية المتضررة من تداعيات كوفيد_19، خصوصا المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمقاولين الذاتيين، كالمساعدات المالية للقطاعات المتضررة بشكل مباشر من الجائحة، وتحسين الولوجية إلى الأسواق الوطنية والجهوية والمحلية، وكذا توجيه السندات العمومية وشبه العمومية للنسيج المقاولاتي المغربي (إعطاء الأولية للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا).

ومن جهة أخرى يتوجب دعم السوق الداخلي طيلة مرحلة الانتعاش الاقتصادي، لإنجاح عملية إعادة التشغيل، وذلك عبر تحسين تنافسية المقاولات المغربية وتحفيز المنتج الوطني، قصد خفض الواردات من الخارج وتقليص وتقنين اللجوء إلى السوق الخارجي.

وللرفع من تنافسية مقاولات النسيج الوطني يتعين تشجيعها أكثر على التصدير نحو الخارج للانخراط في سلاسل الإنتاج الدولية، وتحقيق اندماج اقتصادي عابر للقارات، كما هو شأن بالنسبة للمقاولات المغربية التي تنشط في قطاعي السيارات والطائرات (خطة التسريع الصناعي 2014-2020).

كما يتعين النهوض بعمليات حضانة الأعمال لتسريع الانتعاش الاقتصادي بالمغرب لمرحلة ما بعد كورونا من جهة، وشق المسار الجديد للمغرب نحو التنمية المستدامة والإقلاع الاقتصادي من جهة أخرى. وستمكن حضانة الأعمال المتعلقة بالمقاولات الناشئة وحاملي المشاريع والأفكار المبتكرة من خلق دينامية اقتصادية جديدة، وكذا تحقيق قيمة مضافة، وبالتالي ضم نمو اقتصادي إضافي للثروة القومية المغربية، والمساهمة في إنجاح خطة الانتعاش الاقتصادي لما بعد كورونا.

وفي السياق نفسه، تبقى بلورة مشروع نموذج تنموي جديد، متكامل ومندمج، شرطا رئيسا لإنجاح عملية الانتعاش الاقتصادي، وذلك من خلال تحقيق الاتقائية بين خطة الانتعاش الاقتصادي ومشروع النموذج التنموي المرتقب؛ فالتجانس بين المشروعين ضروري لتحقيق تنمية مستدامة على المدى المتوسط والبعيد.

كما ستشكل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة فرصة سانحة أيضا لتفعيل أمثل لخطة الانتعاش الاقتصادي، فإذا تشكلت حكومة متجانسة ومنبثقة عن أحزاب وطنية تمثل الإرادة الشعبية سيتم التنزيل السليم والفعال للمشاريع التنموية التي هي من الصلاحيات المباشرة للجهاز التنفيذي. ومن دون حكومة قوية على المستوى السياسي لن يكون للإجراءات والعمليات التنموية الوقع المنشود.

ومن جانب آخر، يتوجب تخصيص المخصصات والإعانات المالية الضرورية لإنجاح خطة الانتعاش الاقتصادي. إذا كان الغلاف المالي الإجمالي المخصص لهذا الغرض يناهز 120 مليار درهم فإن 75 مليار درهم من الغلاف نفسه هي عبارة عن قروض وتسهيلات بنكية، إذ يتعين تعبئتها لفائدة المقاولات الاقتصادية المتضررة من الأزمة الصحية وعبر تبسيط إجراءات دراسة الملفات، وكذا مساطر المصادقة على المشاريع.

وعليه فإن تحقيق معدل نمو يناهز 6 بالمائة لسنتي 2022-2023 سيساعد المغرب على شق الطريق نحو التنمية، وبالتالي تأكيد إنجاح خطة الانتعاش الاقتصادي. إلا أن تطور الوضعية الوبائية على المستوى الدولي يبقى محددا رئيسا للإنجاح الفعلي لخطة الانتعاش الوطنية بفعل ارتباط الاقتصاديات الإقليمية والقارية، لأن من دون سلامة صحية لن تكون هناك تنمية بشرية فعلية ولا ازدهار تنموي.

رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير

hespress.com