اعتبر المحلل السياسي محمد شقير أن “الإسراع إلى المصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة في أفق الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يخفي هاجسا سياسيا ثقيلا لدى السلطة والأحزاب حول إمكانية عزوف كبير للناخبين والناخبات عن المشاركة في هذه المحطة الانتخابية المهمة”.
ولمقاربة الموضوع من جوانب مختلفة، تطرق شقير في مقال له بعنوان “العزوف الانتخابي بالمغرب بين التخفيف من التشنج السياسي وتجويد العرض الانتخابي”، لآليات التحفيز السياسي، وآليات التخفيف من مظاهر التشنج السياسي، وآليات التطهير من مظاهر الفساد السياسي، وآليات تجويد كفاءات التسيير السياسي، وآليات التحفيز الانتخابي.
وأشار المحلل السياسي، في ختام مقاله، إلى أن الأحزاب التي ستلج حلبة التنافس الانتخابي مطالبة بالعمل على انتقاء أحسن الكفاءات التي تجمع بين التكوين السياسي والتمرس العملي لترشيحها خلال هذه الانتخابات، إضافة إلى إمكانية تطعيم هذا الترشيح بالتنقيب على كفاءات من النخب المغربية بالخارج.
وهذا نص المقال:
في أفق الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يتم الإسراع إلى المصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة. غير أن هذا يخفي هاجسا سياسيا ثقيلا لدى السلطة والأحزاب حول إمكانية عزوف كبير للناخبين والناخبات عن المشاركة في هذه المحطة الانتخابية المهمة، خاصة في ظل التداعيات التي خلفتها جائحة “كورونا” على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ولعل الخلافات بين الأحزاب والسلطة أو بين الأحزاب فيما بينها بشأن القاسم الانتخابي أو تمثيلية الشباب أو المرأة، لتعكس بشكل ملفت مظاهر هذا التخوف السياسي المتمثل في الاضطرار إلى التنافس على أصوات هيئة انتخابية قد تنخفض نسبة مشاركتها عن تلك التي أقلقت السلطة في 2007، أو تلك التي أحرجتها في انتخابات 2016 بعدما ارتفعت في إطار الحراك السياسي الذي أفرزته حركة 20 فبراير وتداعيات الربيع العربي.
آليات التحفيز السياسي
يبدو أن السلطة في إطار حرصها على توسيع المشاركة في الانتخابات القادمة قد راهنت على بعض الإجراءات التقنية التي تضمنتها القوانين التنظيمية الأربعة؛ إذ من بين الإجراءات التي تحاول السلطة أن ترفع بها حجم المشاركة الانتخابية والعمل على مصالحة المواطنين مع الصناديق الانتخابية، إقرار التنافي بين التمثيلية البرلمانية والتمثيلية المحلية، والرفع من تمثيلية النساء عبر الانتقال من اللائحة الوطنية إلى اللائحة الجهوية، وتوسيع الاقتراع الفردي. لكن هذه الإجراءات ستبقى ناقصة إذا لم تواكب بآليات سياسية قوية تقلص من مستوى التشنج السياسي وتخلخل من بنية الفساد السياسي وتحسن من مستوى التسيير الإداري.
آليات التخفيف من مظاهر التشنج السياسي
ينبغي التذكير بأنه خلال فترات حكم الملك الراحل الحسن الثاني غالبا ما كان يسبق كل استحقاق انتخابي، اتخاذ إجراءات تهم التخفيف من بعض مظاهر التوتر السياسي، حيث عادة ما يتم الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين أو السماح بعودة بعض المنفيين. وقد ظهر ذلك بالخصوص في قرار العفو الملكي الذي سبق الانتخابات التي مهدت لعملية التناوب التوافقي وسهلت تعيين حكومة اليوسفي.
وعلى هذا الغرار، يمكن أن يتم في أفق الانتخابات القادمة التي تتزامن مع حلول إدارة ديمقراطية بالبيت الأبيض التي ينتظر أن تعزز اعتراف إدارة ترامب بمغربية الصحراء وبفتح قنصلية بالداخلة، وبلورة نموذج تنموي جديد بالبلاد، بالإضافة إلى مواجهة استعداء شرس ومركز من طرف النظام الجزائري، (أن يتم) العمل على تصفية ملف معتقلي حراك الحسيمة بشكل نهائي، وإعادة النظر في ملفات بعض الصحافيين الذين ما زالوا يقضون مدة محكوميتهم، بالإضافة إلى بعض المعتقلين الإسلاميين الذين أبانوا عن استعدادهم للاندماج السياسي… مما سيعطي إشارات سياسية إيجابية ستساهم بلا شك في تنقية الأجواء السياسية داخل المملكة، وتحظى بقبول لدى الأوساط الحقوقية الدولية، وعلى رأسها الإدارة الديمقراطية بالبيت الأبيض التي عادة ما تولي اهتماما للوضعية الحقوقية في تعاملاتها الخارجية.
آليات التطهير من مظاهر الفساد السياسي
تجدر الإشارة إلى أن من أهم المطالب السياسية التي وعدت حكومة بنكيران بتحقيقها، محاربة الفساد السياسي؛ حيث سبق لبعض وزرائها التصريح بأن نسبة النمو سيتم رفعها من 5 بالمائة إلى 7 بالمائة من خلال تحصيل نقطتين من مواجهة بعض مظاهر الفساد، كما سبق لأحد الوزراء من الحزب المتصدر لهذه الحكومة أن تجرأ على فتح ملف المأذونيات، لينتهي المطاف برئيس الحكومة السابق بنكيران برفع شعار “عفا الله عما سلف”، في إشارة سياسية إلى فشله أمام لوبيات الفساد التي توسعت شراهتها لتصل إلى التحكم في أسعار المحروقات والتغول في قطاعات حيوية كقطاع التعليم والصحة، والتي تكرست خلال تداعيات جائحة كرونا.
وبالتالي، سيكون من الضروري أن تبلور السلطة في أعلى مستوياتها عملية تطهير واسعة لخلخلة بنية الفساد التي تعشش بين مختلف دواليب الدولة الاقتصادية والإدارية والسياسية. لا ننسى أن ما سهل المشاركة الواسعة في استحقاقات حكومة التناوب هو عملية التطهير التي أشرف عليها بعض وزراء الملك الراحل الحسن الثاني؛ إذ على الرغم من بعض التجاوزات التي شابت هذه العملية، فقد سمحت بأن يستشعر المواطن أن القانون قد يفعل حتى في حق بعض النافذين ويحقق للدولة بعض عائداتها المالية.
آليات تجويد كفاءات التسيير السياسي
كان من المنتظر بعد الغضبة الملكية التي طالت بعض الوزراء والمدراء العامين جراء تداعيات حراك الريف، أن تتم مواصلة هذه العملية لتشمل تسيير عدة قطاعات إدارية حساسة. فعلى الرغم من أن الحكومة قد درجت أسبوعيا على المصادقة على تعيينات في مناصب إدارية عليا، إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل إيجابي على تسير دواليب الدولة الحساسة، خاصة المؤسسات العمومية التي تدخل ضمن اختصاصات الملك.
ولعل تداعيات كرونا، وعدم الانعقاد المنتظم للمجالس الوزارية برئاسة الملك، قد تكون من بين العوامل التي أخرت تدابير تعيين بعض المسؤولين على رأس هذه المؤسسات. وبالتالي، فإن الإسراع بتعيين كفاءات متمرسة على رأس هذه المؤسسات تسند إليها مهمة تنزيل مقومات النموذج التنموي الجديد، سيكون له الأثر الإيجابي في خلق الأجواء المناسبة لأي مشاركة مكثفة في الانتخابات المقبلة.
آليات التحفيز الانتخابي
يمكن أن نتمثل هذه الآليات في تغيير الصورة السياسية وتجويد العرض السياسي:
تغيير الصورة السياسية
ترجع أسباب العزوف عن المشاركة السياسية إلى الصورة التي ترسخت في ذهنية الفئات الشعبية حول المؤسسات القائمة، وخصوصا في فترة ما سمي بالعهد الجديد، ذلك أن طبيعة الاصلاحات والإنجازات التي باشرها الملك محمد السادس منذ توليه الحكم، سواء على المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، جعلت المؤسسة الملكية تحتل موقعا هاما ومركزيا داخل النظام السياسي المغربي. فقد عملت المؤسسة الملكية على تعزيز شرعيتها التاريخية بشرعية الفعل والإنجاز، سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي، وخصوصا مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي عززت شعبية المؤسسة الملكية.
وعلى العكس من ذلك، فإن محدودية الأدوار التي بقيت تلعبها الأحزاب السياسية وكذلك البرلمان والحكومة في المشهد السياسي، قد كرس لدى المواطنين صورة سلبية في تمثلهم لهذه المؤسسات. ونتيجة لذلك، فقد تراجعت قيمة وأهمية الانتخابات لغياب رهانات سياسية حقيقية؛ حيث يسود الاعتقاد لدى المواطنين بعدم جدوى الانتخابات في التأثير على سيرورة النظام السياسي ما دام أن هناك ملكية “تنفيذية” تتدخل في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبالتالي، فمن الضروري فسح المجال أمام هذه المؤسسات للعمل وتقييم ذلك من طرف المواطن؛ إذ يمكن على سبيل المثال بدل ما كان يردده بنكيران من أنه فقط موظف تحت سلطة الملك، تفعيل الفصل 48 من الدستور الذي يمكن رئيس الحكومة من طلب عقد مجلس الوزراء أو التفويض له برئاسة المجلس بجدول أعمال محدد.
كما يجب أن لا يتم الاقتصار على نقل عمل رئيس الحكومة الأسبوعي بل تغطية ما يدور في هذا المجلس من مناقشات وتفاعلات بين الوزراء، حتى يأخذ المواطن فكرة على مجريات هذا المجلس في انتظار التفكير من نقل مقر رئاسة الحكومة من وراء أسوار تواركة إلى مقر مستقل وفق مواصفات معمارية وهندسية تليق بمؤسسة دستورية يراد لها تحمل العديد من الاختصاصات والمسؤوليات. إلى جانب ضرورة أن يتجذر تقليد سياسي حول عقد رئيس الحكومة لندوة صحافية دورية لاطلاع الرأي العام على منجزات الحكومة والإجابة على مختلف تساؤلات وهواجس مختلف فئاته.
تجويد العرض السياسي
إن تراجع الدور التأطيري للأحزاب السياسية وقدرتها التعبوية أثر على مصداقية العمل الحزبي، وأدى إلى تكريس وتنامي العزوف السياسي، وذلك نظرا للهشاشة التنظيمية للأحزاب وعدم قدرتها على بلورة مشروع مجتمعي قادر على التعبئة والاستقطاب، مما أدى إلى فقدان البرامج الانتخابية للأحزاب لجاذبيتها، وخاصة مع التماثل الايديولوجي لهذه البرامج واقتصارها على تنزيل الأوراش الملكية على أرض الواقع وتطبيق خيارات السلطة.
كما أن ضعف الإنجازات الحكومية وعدم قدرتها على الاستجابة للانتظارات الشعبية، وخاصة بعد فشل الحكومة التي تصدرها حزب العدالة والتنمية بزعامة كل من بنكيران والعثماني في تحسين الوضعية الاجتماعية لشرائح واسعة من المواطنين كانت تعلق على هذه الحكومة آمالا كبيرة، خاصة ما يتعلق بمحاربة مظاهر الفساد، ضاعفت من خيبة الأمل وأدت إلى سيادة نوع من الإحباط السياسي، خاصة بين الطبقة المتوسطة التي وثقت بعض فئاتها بخطاب الحكومة السياسي وراهنت على سياستها في تحسين بعض أوضاعها الاجتماعية والمعيشية.
وبالتالي، فمن الضروري أن تحرص الأحزاب المتنافسة في الاستحقاقات القادمة على تقديم عرض سياسي جديد يقوم من جهة على استبدال خطابها السياسي التقليدي الذي ينبني على الجانب الإيديولوجي والهوياتي، بخطاب سياسي حديث يقوم على بلورة تصورات وبرامج ملموسة، سواء في التسيير الجماعي أو الجهوي أو الوطني. فالمطلوب اليوم من هذه الهيئات السياسية تقديم عرض سياسي قوي يستجيب لطبيعة التحديات التي يدخل فيها المغرب والعالم برمته التي تسببت فيها “كورونا”.
ومن جهة أخرى، على الأحزاب التي ستلج حلبة التنافس الانتخابي، العمل على انتقاء أحسن الكفاءات التي تجمع بين التكوين السياسي والتمرس العملي لترشيحها خلال هذه الانتخابات. بالإضافة إلى إمكانية تطعيم هذا الترشيح بالتنقيب على كفاءات من نخب الدياسبورا المغربية بالخارج؛ حيث أظهرت جائحة كوفيد إشعاع عدة كفاءات وطنية تتقلد مناصب مرموقة في دول المهجر الأوروبي أو الأمريكي أو الأسيوي إلى جانب نخب وطنية أثبت جدارتها في تسيير مؤسسات محلية وجهوية ووطنية في كل من بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وغيرها؛ إذ يمكن بهذه الكفاءات تغيير الصورة المألوفة حول النخب الحزبية التي ارتبطت لدى الهيأة الناخبة بالشعبوية وانعدام الكفاءة، والتي ما زالت تتحرك داخل المشهد السياسي رغم ما التصق بها من شبهات وغموض.
ولعل تحركات الأمين العام السابق لحزب الاستقلال في الآونة الأخيرة وخرجاته الصحافية بإمكانية منافسته على عمودية فاس بعد عودته من الخارج وغيابه لأزيد من سنتين عن مهامه البرلمانية (لأسباب صحية)، لا يمكن إلا أن تنفر الناخب من أي مشاركة في الانتخابات القادمة وتكرس لديه المثل الدارج “عودة حليمة إلى عادتها القديمة”.