متجاوزاً خطاب العواطف والشجون الذي يركز على كون المغرب أول دولة اعترفت بأمريكا قبل أزيد من قرنين من الزمن، وهو ما يعتبره خصوم المملكة بالكونغرس فلكلورا غير مجد، يرى الإعلامي سمير شوقي أنه من البديهي التوقع أن واشنطن تضع في ميزان الجيوبوليتيك المعاصر كون المغرب كان حليفاً إبان الحرب العالمية الثانية وخلال خمسة عقود من الحرب الباردة، وكان دائما يصطف بجوار واشنطن حتى في قضايا ذات حساسية عالية مثل حرب الخليج.
أما واقع اليوم، وفق مقال شوقي عن إدارة بايدن والصحراء المغربية، “فيضع المغرب ضمن دائرة حلفاء الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، سواء في الشرق الأوسط أو بإفريقيا”.
ويذكر الكاتب في مقاله، بالمقابل، بأن المغرب “هو البلد الإفريقي الوحيد الذي يجري مناورات سنوية مع الجيش الأمريكي على أرض إفريقية؛ كما أن الرباط وواشنطن وقعا على اتفاق تعاون في مجال الدفاع قبل ثلاثة أشهر فقط”.
المغرب، إدارة بايدن والصحراء
كان لاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وقع القنبلة، ليس فقط في عواصم الدول المعنية، وخاصة بالرباط والجزائر، ولكن بردهات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
الولايات المتحدة الأمريكية ليست أي بلد، هي عضو دائم في مجلس الأمن والقوة الأعظم في العالم وبين أصابعها تتشابك خيوط السياسات الدولية والإستراتيجية. لذلك السؤال الذي تداوله معظم المهتمين بملف الصحراء غداة تغريدة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هو ما سيقرره الرئيس الجديد جو بايدن بخصوص هذا الملف.
السياق العام
بعيدا عن تخاريف الانفصاليين وعدم فصلهم بين أحلام اليقظة وواقع الجيوبوليتيك الحالي، فإن الغوص في توقعات تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع هذا الملف، الذي يعتبر واحدا من أقدم النزاعات في العالم، يقتضي استحضار مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أولا وتوجهات أعضاء نافذين في الإدارة الأمريكية الجديدة، دون إغفال إستراتيجية العلاقات الأمريكية مع دول على صلة مباشرة أو غير مباشرة مع ملف الصحراء المغربية.
إن المرسوم الرئاسي الذي أصدره دونالد ترامب، والذي يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن دولة مستقلة في الصحراء الغربية توجه غير واقعي لحل النزاع، وأن حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن، هو قرار دولة وليس قرار شخص، وإن كان الرئيس، حسب مصدر مقرب من الإدارة الأمريكية الجديدة، كما جاء في صحيفة “واشنطن بوسط”.
ولعل أول موقف علني للإدارة الجديدة جاء متزامنا مع تنصيب جو بايدن عندما مثُلَ أنطوني بلانكن، وزير الخارجية الجديد، أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس لترسيم تعيينه، حيث قال إنه “لا يمكن إلا التصفيق لقرار التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية، الذي من شأنه أن يدعم السلام في المنطقة، وأعتقد أننا سنبني على هذه القاعدة”؛ غير أنه أضاف قائلا: “سيتعين علينا أن ندرس بتأن بعض الالتزامات الأمريكية التي اتخذت في سياق هذا التطبيع، وهو يقصد بلا شك صفقة الطائرات الأمريكية F35 لفائدة الإمارات العربية المتحدة، وحذف السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وكذلك الموقف الأمريكي الجديد من نزاع الصحراء المغربية”.
وإذا كان أنطوني بلانكن يؤكد أن الإدارة الأمريكية ستبني على القرارات سالفة الذكر، فإنها بالتأكيد ستستحضر عدة معطيات وهي تنكب على المرسوم الرئاسي الذي وقعه ترامب، معلنا موقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي يصطف إلى جانب المملكة المغربية دون مواربة. وأهم الدعامات التي سترتكز عليها إدارة جو بايدن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ما يلي:
العمق الجيو-استراتيجي
بغض النظر عن خطاب العواطف والشجون الذي يركز على كون المغرب أول دولة اعترفت بأمريكا قبل أزيد من قرنين من الزمن، وهو ما يعتبره خصوم المغرب بالكونغرس فلكلورا غير مجد، فإنه من البديهي التوقع أن واشنطن تضع في ميزان الجيوبوليتيك المعاصر كون المغرب كان حليفاً إبان الحرب العالمية الثانية وخلال خمسة عقود من الحرب الباردة، وكان دائما يصطف بجوار واشنطن حتى في قضايا ذات حساسية عالية مثل حرب الخليج.
أما واقع اليوم فيضع المغرب ضمن دائرة حلفاء الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، سواء في الشرق الأوسط أو بإفريقيا. وهنا لا بد من التذكير بأن المغرب هو البلد الإفريقي الوحيد الذي يجري مناورات سنوية مع الجيش الأمريكي على أرض إفريقية، كما أن الرباط وواشنطن وقعا على اتفاق تعاون في مجال الدفاع قبل ثلاثة أشهر فقط. ثم هناك حديث عن نقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” من ألمانيا إلى المغرب، وتجاوز رفض جنوب إفريقيا سنة 2007 لتواجد هذه القوات على أراضٍ إفريقية؛ وهذا من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة ثقلاً إضافياً في القارة السمراء.
المصالح الاقتصادية
إذا كان حجم المبادلات التجارية بين الرباط وواشنطن بعيداً عن طموحات البلدين، ولا يعكس عمق العلاقات بين الطرفين، فإن اتفاق التبادل الحر الموقع بين البلدين سنة 2006 جعل تلك المبادلات تشهد طفرة نوعية وتنتقل من 1.34 مليار دولار سنة 2006 إلى 5.44 مليار دولار سنة 2018، ومازال هامش التحسن متوفراً.
وللإشارة فإنها اتفاقية التبادل الحر الوحيدة التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية وبلد إفريقي، مع العلم أن واشنطن تسعى إلى مضايقة الصين داخل إفريقيا بعد أن هيمنت بكين بشكل واضح على القارة السمراء، وهي الشريك الأول بإفريقيا متبوعة بالاتحاد الأوروبي، فيما تتموقع الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة فقط، وبالتالي هي بحاجة إلى قاعدة تُعد انطلاقاً منها إستراتيجيتها الجديدة تجاه إفريقيا التي تتوخى من خلالها تدارك السنوات الأربع التي ضيعتها إدارة ترامب عندما تركت “الملعب فارغاً” للصين.
وهنا تكمن أهمية قنصلية مدينة الداخلة، التي تم تخصيص دورها للتعاون الاقتصادي الأمريكي-الإفريقي، واستثمارات الشركات الأمريكية بالقارة السمراء، وهي التمثيلية الدبلوماسية التي وصفها السفير الأمريكي السابق بالرباط دافيد فيشر بـ”البوابة المستقبلية لإفريقيا”. ثم لا يمكن أن ننسى أن المملكة المغربية تعد من الدول القلائل في العالم التي استفادت من البرنامج الأمريكي تحدي الألفية في مرحلتين بمجموع استثمارات بلغ 1.1 مليار دولار، ما يؤشر على عُمق العلاقات بين البلدين.
رهانات السلام
لا ينكر أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية استثمرت كثيراً لتحقيق السلم لإسرائيل، وذلك من خلال فك الطوق الإقليمي حولها، وهو ما تم من خلال تطبيع علاقات تل أبيب مع دولٍ خليجية تنضاف للأردن ومصر، ومن جهة أخرى من خلال توسيع دائرة اتفاقيات السلام إلى دول بعيدة عن المحور كالسودان والمغرب، لدعم إسرائيل جيو-استراتيجياً. في هذا المجال تحديداً يلتقي الحزب الديمقراطي بالحزب الجمهوري وتذوب خلافاتهما وتنصهر داخل لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية AIPACوهو أقوى لوبي يهودي تأثيراً في السياسات الخارجية الأمريكية منذ 1963 والداعم الرسمي لإسرائيل بالولايات المتحدة الأمريكية على امتداد كل الإدارات المتعاقبة. في هذا الشق، سيكون لا محالة موقف اليهود الأمريكان من جهة والإسرائيليين من أصولٍ مغربية من جهة أخرى حاضراً لدى إدارة بايدن في اتخاذ أي قرار حول مستقبل العلاقات المغربية الأمريكية.
وقد تجلى موقف كل من أنطوني بلانكن ولويد أوستيند، على التوالي وزير الخارجية ووزير الدفاع، أمام لجنة الخارجية بالكونغرس، بحيث تفاديا الخوض في تفاصيل اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، كما فعل أوستين مع السيناتور جيمس أينهوف المعروف بدعمه لجبهة البوليساريو، والذي كان يريد منه موقفا حول “تنظيم الاستفتاء في الصحراء المتنازع عليها” إلا أن أوستين رد عليه بأنه لا يمكنه أن يخصه برد ما دام لم يدرس بعد حيثيات هذا القرار.
ومن الواضح أن أولوية إدارة جو بايدن تنطلق من المصلحة الضيقة للولايات المتحدة الأمريكية والعمق الإستراتيجي للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية؛ لذلك واهم من يعتقد أن فريق بايدن سيلغي قرارات اتخذها دونالد ترامب فقط نكايةً في هذا الأخير، أو لاعتبارات خارج المصالح المشار إليها أعلاه. فإدارة بايدن يمكن أن تأخذ على سياسات ترامب الشيء الكثير، لكنها لن تُخفي أنه وفر عليها اتخاذ قرارات صعبة من قبيل نقل سفارة أمريكا للقدس والتطبيع العربي-الإسرائيلي، وهي عمليات معقدة تطلبت سنوات من المفاوضات للحفاظ عن مصالح كل الأطراف واحترام الالتزامات المتبادلة، وبالتالي لا يمكن بشكل من الأشكال أن تحافظ الإدارة الأمريكية على امتيازات تلك الاتفاقيات وفي الوقت نفسه تتخلى عن التزاماتها. فما تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة الأمريكية، كدولة ومؤسسات، كل لا يتجزأ، وسيتضح ذلك أكثر قبل ثلاثة أشهر من الآن عندما يدرس مجلس الأمن ملف المينورسو شهر أبريل المقبل.