الأربعاء 9 يونيو 2021 – 09:20
بما أننا نتحدث عن فرنسا، وليس عن إحدى الدول النامية، فإن وسائل الإعلام الدولية، أو تلك المتخصصة في “تغريق” سفينة الأنظمة السائرة في طريق النمو، لن تحمل هذا الحدث أكثر مما يحتمل، ولن يتم الحديث عن “انفلات أمني” أو “خطأ في البروتوكول”؛ كما لن يقال إنها “صفعة الشعب للرئيس”، وسيتم الحديث عن الواقعة بوصفها فردية ومعزولة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقود فرنسا بناء على شعار “الجمهورية إلى الأمام”، لكن بلاد الأنوار بدت اليوم وكأنها تعود إلى الوراء، بعد تسجيل سلوك غير حضاري لأحد المواطنين إزاء الرئيس؛ فقد أخطأ ماكرون في تقدير الموقف، معتقدا أنه سيحظى بالتحية من لدن مواطنين كانوا ينتظرونه على هامش زيارة رسمية نظمها إلى مدرسة فندقية في بلدة “تان ليرميتاج” بإقليم دروم، جنوب شرق البلاد، على بعد 20 كيلومتراً من مدينة فالانس، غير أن العكس هو الذي حصل، فقد كان مواطن يتربص به، ليوجه إليه صفعة مفاجئة، على مرأى ومسمع من حراسه الشخصيين، الذين لم يتدخلوا إلا بعد فوات الأوان.
لقد بإمكان المتهم بالشروع في الاعتداء الجسدي على الرئيس أن يلحق ضررا أكبر بماكرون لولا الحظ، ويمكن التأكد من ذلك من خلال مشاهدة الفيديوهات التي وثقها بعض المواطنين، ويظهر فيها الرئيس مستسلما لـ”قبضة” مواطن قبل أن يفاجئه الأخير بصفعة نزلت على خده مقرونة بعبارتين، سيكون لاستعمالهما أثره في ما بعد.
تقول العبارة الأولى “تسقط الماكرونية”، وهي عبارة لم تنل أي اهتمام يذكر. في حين أن العبارة الأخرى التي تلفظ بها المعتدي على الرئيس حظيت باهتمام كبير، وهي: “مون جوا سانت دونيس” (MONTJOIE, SAINT-DENIS)، دفعت المؤرخين إلى العودة للتاريخ، لمعرفة الغاية من استعمال شعار من هذا النوع، يعكس اليوم “حركة متطرفة” تنمو داخل فرنسا، حيث بات الملوك بمثابة “أشباح” يطاردون الرؤساء؛ وأي تشابه بين أحداث اليوم والأمس فهو بمثابة دعوة إلى قراءة التاريخ واستلهام الدروس.
في بلد الأنوار سيسجل التاريخ أن العلاقة بين المواطن والحاكم تقتضي تفعيل أقصى درجات الحذر، رغم الديمقراطية والشفافية، وصناديق الاقتراع والشعارات الضخمة. وما حادثة اليوم إلا تكرار لحوادث سابقة، وتأكيد للخطر المستتر في قلب المجتمع الفرنسي، فالجهل لا وطن ولا دين له، ويصعب “ترويضه” أو إقناع صاحبه مهما كان مستواه الدراسي. ومهما كانت مساحيق التجميل باهظة الثمن فسيأتي من سيقفز على كل “البروتوكولات” ليخدش الصورة المنشودة.
الحادثة تدعو للأسف، بغض النظر عن السياق والظروف. ولا يمكن التشفي في الرئيس الفرنسي، في إطار قواعد الاحترام الواجب للرئيس، لكن “اللإليزيه” اضطر للتفاعل مع الحادث بقوله إن الشرطة اعتقلت “رجلا حاول بالفعل ضرب رئيس الجمهورية”، بينما الواقع أن الرئيس تعرض للضرب فعلا.. لكن لم يكن أمامه من خيار سوى استصغار هذه الحادثة باعتبارها “فردية”، لأن تضخيم الصفعة قد يتحول إلى صفعة لفرنسا نفسها، التي تحاول أن تقدم نفسها كنموذج للحوار الحضاري، وبلد للأمن والأمان، بينما كان رئيسها اليوم أعزل في مواجهة خطر وشيك.