بعد أن هدأت الضجة التي أثارها الشعار الجديد لمدينة أكادير في أوساط الرأي العام المحلي من الناحية المتعلقة بالجانب الجمالي والفني، حيث ذهبت أغلب الآراء في اتجاه رفضه، سيجد مكتب المجلس الجماعي للمدينة نفسه في “ورطة” حين عرض المشروع على المصادقة في الدورة المقبلة للمجلس يوم 21 أكتوبر المقبل.

ويصبّ النقاش حاليا حول الصفقة التي فُوّت بوجبها إنجاز الشعار الجديد لمدينة أكادير، والتي ما زالت قيمتها “سرّا” لم يعلم به إلى حد الآن حتى مستشارو المجلس الجماعي الذين سيجدون النقطة المتعلقة بـ”اللوغو” مُدرجة ضمن جدول أعمال دورة 21 أكتوبر، في وقت جعل فيه الدستور حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة من الحقوق الأساسية للمواطنين.

احتدام النقاش حول قيمة صفقة شعار أكادير أججه تزامُن الإعلان عنه مع أزمة جائحة فيروس كورونا، التي دفعت برئيس الحكومة إلى دعوة المسؤولين إلى نهج سياسة التقشف وعدم صرف الاعتمادات المالية إلا في المشاريع الضرورية، ومن ناحية ثانية شروع جماعة أكادير في بيع أملاك عقارية لتمويل حصتها من المشاريع التي دشنها الملك بأكادير مؤخرا.

محمد أمين كلكام، مستشار بجماعة أكادير من المعارضة، قال إن الجماعة أجرت تقييما أوليا لمساهمتها في تمويل حصة من المشاريع بالمدينة، فوجدت أن توفير السيولة المالية يقتضي بيْع بعض أملاكها العقارية، مثل المستودع البلدي والمخيم الدولي، موردا أنّه كمستشار معارض أيّد هذا الطرح “لأن تمويل المشاريع أمر ضروري، لكننا تفاجأنا بإدراج النقطة المتعلقة باللوغو في جدول أعمال الدورة المقبلة للمجلس”.

واعتبر كلكام، في تصريح لهسبريس، أن هناك جملة من الاعتبارات، في مقدمتها الوضعية المالية الصعبة بسبب التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وسياسة التقشف المعلنة، تجعل من غير المعقول إدراج المصادقة على الشعار الجديد لأكادير ضمن جد ل أعمال دورة المجلس الجماعي المقبلة، “ما يجعل الظرفية الحالية غير مناسبة لطرح مثل هذه المشاريع”، يضيف المتحدث.

وتطرح طريقة تفويت صفقة إنجاز الشعار الجديد لمدينة أكادير علامات استفهام من الناحية الإجرائية، حيث تم الاتفاق بين شركة التنمية المحلية التي يرأسها الوالي والشركة المغربية للأعمال والتحف الفنية التي ستشرف على إنجاز المشروع دون الإفصاح عن أي معلومة عن قيمتها حتى بالنسبة إلى أعضاء المجلس الجماعي الذي سيصادق عليها.

“حنا ما فراسنا والو. المعلومات المتوفرة لدينا تفيد بأن أعضاء شركة التنمية المحلية اجتمعوا مع الشركة التي أسند إليها المشروع وتم الاتفاق، وهم يريدون أن يأتوا به إلى المنتخبين (أعضاء المجلس الجماعي) للمصادقة عليه، في حين أننا لا نعرف إن كانت هناك طلبات عروض ومنافسة أم لا”، يقول محمد أمين كلكام.

وبالعودة إلى الظهير الشريف رقم 1.70.200 المتعلق بإحداث سلطة عليا لمراقبة الرموز والشعارات ووضع مدونة لرموز المملكة وشعاراتها، الصادر سنة 1970، فإن سلطة مراقبة الرموز والتشريعات، وفق ما هو منصوص عليه في الفصل الأول من هذا الظهير، تسند إلى وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة.

ويُكلّف ديوان الرموز والشعارات التابع لمديرية التشريفات الملكية والأوسمة بتسجيل رموز وشعارات القصور الملكية، ورموز وشعارات المملكة والأقاليم والعمالات والجماعات الحضرية والقروية، وكذا رموز وشعارات المؤسسات الأخرى التي تكتسي صبغة الحق العام.

وقبل الوصول إلى مرحلة التسجيل بمديرية التشريفات الملكية والأوسمة، يمرّ الشعار الجديد لمدينة أكادير في مخاض عسير، فعلاوة على موجة الرفض التي أعقبت الكشف عنه، هناك انقسام بشأنه بين أعضاء المجلس الجماعي الذي ستُوكل إليه المصادقة عليه بعد ثلاثة أسابيع من الآن، فيما يتساءل جزء من الرأي العام لمَ لمْ تحْذ جماعة أكادير حذو جماعة مدينة إنزكان المجاورة التي لجأت إلى تنظيم مسابقة مفتوحة لاختيار شعارها.

في سنة 2007، وجه وزير الداخلية دورية إلى ولاة الجهات والعمال حول الشعارات الخاصة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، تحدد الإجراءات المسطرية لحصول الجماعات المحلية على شعار خاص بها.

الإجراء الأول الذي ينبغي أن تتبعه الجماعة للحصول على شعار لها، بحسب مقتضيات الدورية المذكورة، هو موافاة المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية ببطاقة تقنية، تتضمن جميع المعطيات والجزئيات التي يمكن الاعتماد عليها لإعداد الشعارات، خاصة المعطيات التاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتميز بها الجماعة، دون وضع تجسيد لأي رسم.

هذا الإجراء المنصوص عليه في دورية وزير الداخلية الموجهة إلى الولاة والعمال، مع حثهم على الحرص على تطبيق التوجيهات الواردة فيها، يطرح سؤال مدى سلامة المسطرة المتّبعة في إنجاز الشعار الجديد لمدينة أكادير، حيث إن الجهة التي بادرت إلى وضعه هي شركة التنمية المحلية، وليس الجماعة الحضرية.

بحثا عن جواب لهذا السؤال، اتصلنا بعمدة مدينة أكادير، صالح المالوكي، لكن هاتفه كان خارج الخدمة، بينما قال محمد أمين كلكام إن الظرفية الراهنة غير مناسبة لتغيير شعار المدينة، “لأنّ تكلفته لا تنحصر فقط في الميزانية التي سيُنجز بها، بل ستليها تبعات مالية أخرى، لأنّ أي علامة تشوير أو واجهة مؤسسة عمومية تحمل الشعار سيتعين تغييرها من أجل وضع الشعار الجديد، وهذا سيكلف أموالا طائلة كان الأولى إنفاقها في إنجاز المشاريع ذات الأولوية”.

وأضاف: “حتى إذا افترضنا أن هناك حاجة إلى تغيير الشعار الحالي، فإنه يتعين إنجاز شعار بتكلفة مالية قليلة، كما فعلت مؤسسات حكومية، وأن يتمّ اختياره بشكل ديمقراطي وشفاف، ثم إن الشعار يجب أن يتم اقتراحه من طرف المجلس الجماعي على الولاية، وليس العكس”.

وبخصوص تمويل إنجاز شعارات الجماعات المحلية، تشير دورية وزير الداخلية إلى أن المديرية العامة للجماعات المحلية تقوم بإحالة المعطيات والجزئيات المتعلقة بالشعار على مكتب مختص في الرسم، يقوم بإعداد رسم الشعار في إطار عقدة يتم بموجبها تبيان شروط وتكاليف إنجاز مشروع الشعار تتحمل وزارة الداخلية مصاريفها.

hespress.com