الأربعاء 12 غشت 2020 – 23:00
شكايات عديدة تقاطرت على مكتب عامل عمالة المحمدية هشام المدغري العلوي، ووزارة الداخلية في شخص الوالي زينب العدوي، والمجلس الجهوي للحسابات، مفادها اختلاس وتبديد المال العام والزيادة في الأسعار عبر استغلال جائحة كورونا، من خلال تفويت سند طلب لشركة صاحبها ليس سوى صهر النائب الثاني لرئيس جماعة بني يخلف أكبر جماعات إقليم المحمدية.
“الدجاج والبرقوق” لعمال التعقيم
بدأت قصة هذه الشكايات مع حالة الطوارئ الصحية التي طبقت في البلاد بسبب جائحة كورونا، حيث يتهم مستشارون جماعيون الحسين ظريف، النائب الثاني للرئيس، بتمرير سند الطلب إلى شركة تدعى “servi-jad”، صاحبها ليس سوى زوج شقيقة العضو المذكور.
خلال حالة الطوارئ الصحية عمدت الجماعة، وعلى غرار باقي الجماعات في المملكة، وبناء على تعليمات السلطات المختصة، إلى تعقيم الأماكن والمرافق العمومية بالاعتماد على عمال النظافة والإنعاش الوطني. وعلى غرار بعض الجماعات، عملت جماعة بني يخلف، المعروفة بـ”اللويزية”، على تقديم وجبات لهؤلاء العمال تشجيعا لهم على ما يقومون به في ظل هذه الظروف العصيبة.
ولتوفير التغذية لفائدة العمال، لجأت الجماعة المذكورة إلى سندات الطلب، التي عادت إلى شركة “servi-jad”، والتي يتبين من خلال الفاتورة رقم 02/2020 أن المقاولة المذكورة كانت تقدم لفائدة عمال التعقيم حلويات باللوز، خبزا بالشوكولا، طبق دجاج بالبرقوق، إلى جانب أغلى أنواع المكسرات (التمر، الجوز، اللوز، الفستق (البيستاش) الأكاجو)، ومشروبا غازيا ومياها معدنية.
فهل يتم تقديم هذه الأكلة لفائدة عمال الجماعات أم إن الأمر مبالغ فيه؟ بحسب شكاية قدمها المستشار حمودة التايك، وضعت على مكتب عامل المحمدية بتاريخ 3 يوليوز 2020، فإن “أكل هؤلاء العمال كان يقتصر على علب السردين والخبز فقط، وَمِمَّا يجود عليهم به المواطن من شاي وخبز”.
بعض الصور التي حصلت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية يظهر فيها الحسين ظريف، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، المتهم بتمرير “بون كومند” لزوج شقيقته صاحب الشركة المذكورة، رفقة بعض العمال، وهم يتناولون “الخبز والزيت”، فيما تحدث العضو المذكور في اتصال بالجريدة عن عدم علمه بكل هذا، ولا حتى بالشكايات المقدمة ضده!
فاتورة مبالغ فيها
بالرجوع إلى الفاتورة المؤرخة بتاريخ 8/04/2020 التي يبلغ مَجموع المشتريات بها المتعلقة بتغذية العمال المشرفين على عملية التعقيم الخاصة بجائحة كورونا 33225,50 درهما، يتبين أن بعض المواد الأساسية المدعمة قد تمت المبالغة في أثمنتها.
تورد الفاتورة المذكورة أن كيلوغراما واحدا من السكر، وهو من المواد الأساسية، قد تم اقتناؤه بمبلغ 8 دراهم دون احتساب الضريبة على القيمة المُضافة، حيث سيصير ثمنه 8,80 درهما، بينما تشير فاتورة صادرة عن أحد الأسواق الممتازة إلى أن سعره يصل إلى 5,96 درهما، وهو ما يعني أن الثمن المحدد في فاتورة شركة “servi-jad” قد تجاوز هذا السعر بقرابة ثلاثة دراهم.
لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب؛ إذ إن قنينة المياه المعدنية من الحجم الصغير (cl 33) قد تمت فوترتها بمبلغ 4 دراهم، ليصير مجموع اقتناء 200 قنينة هو 400 درهم، بينما اقتناء هذه القنينات لا يتطلب ذلك!
وتورد الفاتورة نفسها أن طبق “الدجاج بالبرقوق” بلغ ثمنه 350 درهما، وقد تم، بحسب المصدر نفسه، إعداد 40 طبقا، ليصل المجموع 14 ألف درهم.
مطالب مساءلة متوقفة
بعد تفجر هذه القضية، بدأت الشكايات تتقاطر على السلطات المحلية والمركزية للمطالبة بمساءلة ومحاسبة المسؤولين عن “الاختلاس وتبديد المال العام والزيادة في الأسعار”، لكن هذه الشكايات لم تعرف طريقا إلى التفعيل بعد، بحسب مجموعة من المستشارين.
في العاشر من يوليوز، سيعمد خمسة مستشارين إلى وضع طلب استعجالي على مكتب عامل عمالة المحمدية لعزل رئيس الجماعة لارتكابه خطأ جسيما وتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات في حقه، خصوصا المادتين 64 و65.
وعزا هؤلاء المستشارين الطلب الاستعجالي إلى كون الأسعار المحددة في الفاتورة من لدن الشركة التي يسيرها صهر الخليفة الثاني للرئيس مبالغ فيها وتجاوزت أثمنتها التسعيرة المحددة.
ودعت الشكايات التي توصلت بها هسبريس عامل المحمدية، وكذا وزارة الداخلية، إلى القيام بجرد لسندات الطلب التي حصل عليها صاحب الشركة المذكورة، وذلك بواسطة مجموعة من الشركات التي تعود إلى ملكيته منذ سنة 2015.
وأمام هذه التطورات، سارع الأعضاء، وفق الرسائل التي توصلنا بها، إلى مطالبة عامل المحمدية بتفعيل الإجراءات الجزائية بسبب التواطؤ في الزيادة في الأثمان؛ إذ يدخل ذلك ضمن اختصاصات العامل وكذا قانون حرية الأسعار والمنافسة، ناهيك على مطالبتهم رئيس الجماعة بإحداث لجنة للتقصي حول الفاتورة.
لكن الأعضاء والمتابعين للشأن المحلي في هذه الجماعة التي لا تفصلها سوى قنطرة عن مدينة المحمدية، يتساءلون عن السر في عدم تحرك السلطات العاملية في هذا الملف والتحقيق فيه، خصوصا وأن دورية لوزارة الداخلية كانت قد تحدثت عن ضرورة ترشيد النفقات خلال جائحة كورونا!
دعوات لعزل النائب الثاني
قبل نهاية شهر يوليوز الماضي، وضع تسعة مستشارين طلبا على مكتب رئيس الجماعة لعقد دورة استثنائية، يتضمن جدول أعمالها بالأساس “رفع ملتمس للعامل لتطبيق القانون في حق الخليفة الثاني للرئيس لمخالفته أخلاقيات المرفق العمومي وإسناد طلبات السند لصهره”، إلى جانب “مناقشة سندات الطلب والصفقات العمومية التي قامت بها الجماعة في فترة الحجر الصحي بصفة عامة، وسندات الطلب الممنوحة لصهر الخليفة الثاني بصفة خاصة”.
ويتهم الأعضاء النائب الثاني المنتمي لحزب العدالة والتنمية بخرق مقتضيات المادتين 64 و65 من القانون التنظيمي للجماعات 14-113، معتبرين أن “الفعل المضر بأخلاقيات المرفق العمومي ثابت وموثق”، مطالبين عامل المحمدية “برفع الأمر للقضاء الإداري والجنائي تفعيلا لمبدأ سيادة القانون وأن لا يفلت أحد من العقاب”.
وتنص المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات على أنه “إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجماعة غير رئيسها أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجماعة، قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، عن طريق رئيس المجلس، بمراسلة المعني بالأمر، للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل”.
كما يدفع الأعضاء بالمادة 65 من القانون المذكور، التي تنص على أنه “يمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة أن يربط مصالح خاصة مع الجماعة، أو مع مؤسسات التعاون أو مع مجموعات الجماعات الترابية التي تكون الجماعة عضوا فيها أو مع الهيئات أو مع المؤسسات العمومية أو شركات التنمية التابعة لها، أو أن يبرم معها أعمالا أو عقودا للكراء أو الاقتناء أو التبادل، أو كل معاملة أخرى تهم أملاك الجماعة، أو أن يبرم معها صفقات الاشغال أو التوريدات أو الخدمات، أو عقودا للامتياز أو الوكالة أو أي عقد يتعلق بطرق تدبير المرافق العمومية للجماعة أو أن يمارس بصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، سواء كان ذلك بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا عن غيره أو لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه”.
الجماعة توضح
بينما بدا العضو الحسين ظريف مرتبكا في الحديث عن هذه القضية حين اتصال جريدة هسبريس به واستفساره حول التهم الموجهة إليه من لدن المستشارين بالتواطؤ مع صهره، فإن الرئيس سعيد رفيق، المنتمي لصفوف حزب الأصالة والمعاصرة، قلل من هذه الشكايات، معتبرا إياها عادية.
وأشار رئيس جماعة بني يخلف إلى كون الجماعة أطلقت سندات طلب، والشركة المذكورة قدمت أقل ثمن، وبالتالي تم تمرير الصفقة إليها، مشددا على كون الجماعة، وعلى غرار باقي الجماعات، تتعامل مع الشركات التي تقدم أقل ثمن.
وشدد المتحدث نفسه على كون صاحب المقاولة التي آل إليها سند الطلب المذكور من حقه ذلك على غرار باقي المواطنين، مشيرا إلى أن الأمر ليس فيه أي تناف مع القانون بحكم كونه صهر الخليفة الثاني.
وأوضح سعيد رفيق أن الأعضاء الذين قدموا شكايات ضده وضد نائبه “سبق لهم أن كانوا في المجالس السابقة، غير أنهم بعد فشلهم في الاستمرار على رأس المجلس صاروا يقدمون الشكاية تلو الشكاية، لكنهم لم يثبتوا أي خرق في حقنا”.
وعرج رئيس الجماعة، في توضيحه، على كون هذه الأخيرة وطوال الطوارئ الصحية “عملت على وضع حواجز بمداخل الجماعة لمنع انتشار الفيروس، ناهيك على اشتغال العمال والموظفين طوال هذه الفترة، وهو ما يلزم توفير الأكل لهم”.