السبت 20 مارس 2021 – 09:30
بغض النظر عن الموقف من مشكل التعاقد، وبغض النظر عن صفة “البلطجي” الذي سرق الأضواء يوم الثلاثاء الماضي بتعنيفه مجموعة من الأساتذة المتعاقدين، فقد كانت كمية الحقد والعنف والجهل الصادرة عن هذا الشخص كفيلة بدق ناقوس الخطر بخصوص هذه الوحوش الآدمية التي تعيش بيننا، والتي تعتقد أن بإمكانها أن تحل محل القوات العمومية في ممارسة “الردع العام”، وكأن “الزراويط” وخراطيم المياه لا تكفي.
بطريقته الغادرة في توجيه ضربة مقص إلى متعاقد أعزل، نبهنا هذا الشاب الجاهل غير المندمج حضاريا إلى أمثاله ممن ينتظرون اللحظة المناسبة لممارسة هوايتهم المفضلة في اغتصاب كل ما حققه الوطن من تراكمات. كيف يمكن أن تأمن على نفسك في مظاهرة أو محاضرة أو نشاط عام وهذه الوحوش تتجول بين الصفوف بكل حرية؟ إن وجود هذا النوع كفيل بعرقلة أي محاولة لتحقيق التنمية أو تنزيل الدستور أو تحقيق الطفرة الانتخابية المنشودة.
إن هذا التصرف العنيف، للأسف، لا يمكن النظر إليه كتصرف معزول، فهذا النوع من “البلطجية” هو الذي يثقل كاهل الدولة، وكاهل المجتمع، بمشاكله التي تؤدي إلى هدر المليارات في المحاكم وأقسام المستعجلات نتيجة اشتباكات عنيفة ومصارعات فارغة، وهم أنفسهم الذين يخربون الحافلات، ويحطمون كراسي الحدائق العمومية، ويزعجون المصطافين، ويفسدون كل لحظة كان بإمكانها أن تكون جميلة.
إن أمثال هؤلاء “الهمج” الذين يفهمون المواطنة بشكل كارثي، هم الذين يعترضون سبيل المواطنين، ويستبيحون كل شيء، وهم الذين يجعلون المواطن يقبل “الذل الحضاري”، تفاديا لسوء العاقبة، لأن المشكل لم يعد مع “شطط الدولة” بل المشكل، اليوم، يكمن في شطط “جحافل الجهل” المنتشرة في كل مكان. إنهم يسيئون إلى الفضاءات العامة والفضاءات الخاصة، بل يسيئون إلى صورة بلد بكامله.
الكارثة أنهم مواطنون، والكارثة الكبرى هي تحولهم إلى حراس للجهل، في معابد التخلف الفكري. ولا سبيل للخروج من هذه الأزمة إلا بتضافر الجهود لإنقاذهم من أنفسهم أولا، وإنقاذ الوطن منهم ثانيا. إنه الورش المؤجل، حيث يجب ملاءمة كافة المشاريع التنموية والدستورية والبنيات الأساسية مع جيل جديد من المواطنين يعرف ما له وما عليه، ويميز بين الحقوق والواجبات، والحد الفاصل بين “السيبة” والقانون.. إن مثل هذه الأوراش هي التي لا يمكن أن تشهر فيها “ورقة عدم الاختصاص”، فكلنا معنيون، من البيت إلى المدرسة إلى الشارع.. الأب، والأم، والمعلم، والشرطي، والعسكري، والأستاذ الجامعي، والفلاح، والبائع، والمشتري..، كلهم معنيون بـ”نهضة حضارية” تمنحنا الطاقة اللازمة للاستمرار في عالم لا يرحم المجتمعات الجاهلة.