قدم السيد شكيب بنموسى تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أمام جلالة الملك. وكقراءة أولية لأهم مضامين هذا التقرير، يمكننا أن نسلط الضوء على بعض النقاط التي تشكل دعامة أساسية من أجل نجاح أي طموح تنموي.
-1- تحدث التقرير عن أهداف النموذج التنموي باعتماد عبارة متقدمة هي “طموح النموذج التنموي الجديد”، التي يمكن أن نصفها بالمنسجمة مع روح التقرير. هذه الأهداف تم تحديدها من جانب الزمان ومن جانب المضمون كذلك. فأعطى التقرير حيزا زمنيا يصل إلى حدود 2035، وهو الحيز الزماني الذي يحتل متوسط الفترة التي حققت فيها الدول النامية طفرتها التنموية، والتي تتراوح بين 10 و20 سنة حسب كل دولة نجحت في نموذجها التنموي.
من ناحية المضمون تحدث التقرير عن مغرب الازدهار ومغرب الإدماج ومغرب الكفاءات وأخيرا مغرب الاستدامة.. أربعة محاور تعكس سكة قطار التنمية الذي سيسافر بالمغرب من 2021 حتى 2035.
-2- إذا كانت الأهداف التي يتوخاها النموذج التنموي الجديد تتحدد في أربعة محاور، فإن المجالات التي يركز عليها التقرير لبلوغ التنمية هي خمسة رهانات: البحث والابتكار، الرقميات، الطاقة، التمويل وأخيرا علامة “صنع في المغرب”.
-3- يتضح لنا من التقرير أنه يريد أن يجعل من التنمية مشروعا مجتمعيا، وهو بالتأكيد عامل محدد في نجاح أي نموذج تنموي. تحدث التقرير عن مرجعية جديدة للتنمية حددها في التاريخ العريق للمملكة المغربية والهوية الوطنية الغنية بتعددية روافدها؛ كما أنه يتحدث عن التنمية من منظور التكامل بين دولة قوية ومجتمع قوي. الدولة القوية لها ثلاث ركائز: دولة ذات رؤية إستراتيجية ودولة حامية وضابطة، وأخيرا دولة ناجعة.. المجتمع القوي حدد له التقرير كذلك ثلاث ركائز: مجتمع تعددي معبأ ومسؤول، مجتمع يكرس استقلالية الأفراد ويحرر الطاقات، وأخيرا مجتمع يحرص على الحفاظ على الموارد الطبيعية.
-4- نجاح النموذج التنموي رهين بإجماع كل الفاعلين حول التوجهات الكبرى للتنمية، التي حددها التقرير في أربعة محاور إستراتيجية: اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق مزيد من الثروة ومناصب شغل ذات جودة-فرص لإدماج الجميع وتقوية الرابط الاجتماعي-رأسمال بشري مدعَّم ومهيَّأ بشكل أفضل للمستقبل، وأخيرا مجالات ترابية مستدامة كفضاء لترسيخ أسس التنمية.
-5- نجاح الطموح التنموي كما عبر عنه السيد شكيب بنموسى يحتاج إلى عوامل مصاحبة أسماها التقرير “رافعات التحول”، وحددها في جهاز إداري متجدد، والرقميات كمحرك للتغيير وإرساء الثقة.
في الختام نشير إلى أن أبرز ما جاء به التقرير هو تحديد الآليات الضرورية لضمان نجاح الطموح التنموي؛ وهي آليات نجدها حاضرة بقوة في جميع النماذج التنموية الناجحة عبر المعمور. الآلية الأولى تتحدد في التعبئة المجتمعية؛ فالتنمية تنطلق من الإنسان لتصل إلى الإنسان، وانخراط كل مكونات المجتمع أساسي وضروري في أي نموذج تنموي ناجح. وفي هذا الإطار تطرق التقرير إلى آلية للتعبئة أسماها “الميثاق الوطني من أجل التنمية”.
وحدد التقرير ثلاث ركائز لهذا الميثاق: التزام علني ذو طابع معنوي وسياسي قوي أمام جلالة الملك وأمام الأمة برمتها-لحظة توافقية للفاعلين في مجال التنمية من أجل الانخراط القوي ضمن طموح جديد للبلاد، وأخيرا مرجعية مشتركة تؤطر وتوجه عمل كافة القوى الحية. الآلية الثانية، وهي كذلك أساسية لنجاح طموح التنمية، تتحدد في التتبع وتحفيز الأوراش الإستراتيجية وقيادة التغيير. وقد جعل التقرير هذه الآلية تحت إشراف جلالة الملك، وهي آلية تسهر على الانسجام الشامل والملاءمة الإستراتيجية عبر تحفيز ودعم الإصلاحات التحولية؛ وهي كذلك آلية لتعزيز مسؤولية الفاعلين في مجال التنمية وفق المقتضيات الدستورية.