يحظى شهر رمضان الكريم في الجنوب الشرقي بأجواء متميزة، فهو يزخر بالعادات والتقاليد المميزة التي تعرف بها المنطقة، وبالممارسات الدينية والروحانية التي يحرص عليها أهلها على غرار باقي مناطق المغرب طوال هذا الشهر الفضيل، لما له من مكانة روحية عميقة في نفوسهم.

ولشهر رمضان في الجنوب الشرقي خاصة والمغرب عموما نكهة خاصة، إذ يعتبر شهر “اللمة” ومناسبة مثالية لتوطيد العلاقات الأسرية، التي تضررت خلال العقد الأخير بسبب التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في الأنترنيت والهواتف النقالة.

ولكل مناسبة خلال شهر رمضان المبارك لدى أهل الجنوب الشرقي تقاليد وعادات خاصة بها، من فاتح رمضان إلى منتصف الشهر وليلة القدر وعيد الفطر، وكلها مناسبات يحتفلون بها أهل في أجواء مميزة وخاصة.

“تمنيصافت”

يسمي أهل الجنوب الشرقي من الأمازيغ منتصف شهر رمضان بـ”تامنيصافت”. ويتم الاستعداد للاحتفال بهذه المناسبة طيلة يوم الـ14 من شهر رمضان بتحضير أصناف من المأكولات الشعبية المتداولة في مثل هذه المناسبة المباركة، لتقديمها في مائدة الفطور وبعد العودة من صلاة التراويح.

وفي هذا الصدد تقول عائشة، ربة بيت قاطنة بمدينة تنغير: “جميع العائلات تحتفل بمنتصف شهر رمضان المعظم بتقاليد وعادات خاصة توارثها الأبناء عن الأجداد”، وزادت: “تعكف النسوة بهذه المناسبة على تحضير أنواع عديدة من الأطباق والحلويات، باعتبارها من الليالي التي تتلاقى فيها العائلات والأقارب والأصدقاء”.

وأضافت عائشة، في تصريح لهسبريس، أن الاحتفال بمنتصف رمضان أو “تامنيصافت” يعد تقليدا مميزا في هذا الشهر الفضيل، بما تنفرد به كل منطقة من عادات وتقاليد، مشيرة إلى أن “هذه الليلة تعد ليلة مباركة يستقبلها المسلمون بالفرح والسرور ويغتنمون هذه الفرصة من شهر الرحمة للدعاء والاستغفار والاقتراب من الله عزل وجل”.

“المغاربة في جميع ربوع المملكة متمسكون بالاحتفال بهذه الليلة لأنها فرصة للم شمل العائلات والأقارب بعد الإفطار”، يقول كريم عطوش، وهو من سكان إقليم ميدلت، مضيفا أن “ليلة نصف رمضان متميزة عن باقي الأيام الأخرى، وفرصة لأعداد موائد الرحمة لتوجيه الدعوات للفقراء والمساكين”، ومشيرا إلى أنها “لا تقتصر فقط على التقاليد والعادات التي يتم الاحتفال بها، بل هي مناسبة دينية وروحية يتقرب بها العبد من المعبود”، بتعبيره.

صيام الأطفال

تحتفي أغلب العائلات بالجنوب الشرقي بالأطفال الذين يصومون يوم منتصف شهر رمضان المبارك، إذ تقام لهم احتفالات خاصة تشجيعا وترغيبا لهم في الشهر الكريم، حسب القدرة المادية للأسرة؛ فيما يحظى الذين يصومون أياما أخرى في هذا الشهر الكريم برعاية خاصة من أجل دفعهم إلى المواظبة على أداء فريضة الصيام.

وفي هذا الإطار تقول أمنية بنسعيد، من إقليم زاكورة: “صوم الطفل لأول مرة يعني للأسرة أنه بدأ ينتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والنضج، لذلك تحرص على تنفيذ كل رغباته خلال هذا الشهر الكريم، تحفيزا له على مواصلة أداء هذه الشريعة المفروضة في الدين الإسلامي”، مضيفة أن “الطفل الصغير الذي يصوم يوم منتصف شهر رمضان يلقى عناية كبيرة”.

وأوضحت أمنية، في حديث لهسبريس، أن عادة أهل الجنوب الشرقي عندما يصوم الطفل أن تعطى له عند الفطور حبة تمر وكأس حليب، وبيضة مسلوقة، بالإضافة إلى إعطائه الأولوية في أكل الأطباق التي يتم تحضيرها بالمناسبة، ولا يتم إجباره على تناول وجبة معينة، بل يترك له الاختيار، وما على الأسرة إلا إطاعة أوامره”.

وأكد عدد ممن حاورتهم هسبريس في الموضوع ذاته أن طريقة الاحتفال بصيام الأطفال لأول مرة تختلف من منطقة إلى أخرى، إذ تصل إلى حد تحضير وليمة يدعى لها الأهل والأقارب، يلبس خلالها الطفل أو الطفلة ملابس خاصة.

قبل وبعد كورونا

في زمن ما قبل جائحة كورونا، التي تسببت في ارتباك واضح في العالم، كانت الأسر تحتفل بمنتصف شهر رمضان بعادات وتقاليد خاصة ومميزة، تجتمع فيها الأسر في ما بينها على مائدة الإفطار الواحدة.

حميد أوعلي، من إقليم ورزازات، أكد أن شهر رمضان ما قبل جائحة كورونا كان مختلفا عنه في زمن كورونا، مشيرا إلى أن كل شيء تغير بين عشية وضحاها، بسبب هذا الوباء الذي أربك العالم أجمع، وتسبب في توقف عادات وتقاليد متوارثة في هذا الشهر الفضيل.

وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن أمل جميع سكان العالم هو وصول نهاية لهذا الوباء والعودة إلى حياة طبيعية، مضيفا: “اشتقنا إلى الأيام الماضية، وأن نعيش في أمان واطمئنان، وتعود الحياة إلى ما كنت عليه”.

hespress.com