ارتبطت مجموعة “ناس الغيوان” المغربية بشكل وثيق بالأحياء الشعبية وأحزمة “البؤس” المحاذية للمدن الكبيرة، حيث لطالما صدحت بأغانيهم جدران مسارح “كاريان سنطرال” والحي المحمدي بالدار البيضاء، قبل أن تنتشر صيحاتهم في كل أرجاء المملكة، مساهمة بذلك في خلق “وعي” سياسي وسط المغاربة الذين باتوا يتعطشون للأغاني “الملتزمة”.

ولا يخفي أفراد المجموعة الشبابية التي ظهرت في بداية السبعينيات تأثرهم برياح “التغيير” التي هبت في دول الغرب مطلع الستينيات، وأسهمت في ظهور مجموعات غنائية تتغنى بالتمرد والثورة ومواجهة الطغيان والاستبداد وإعطاء الكلمة للشباب للتعبير عن أفكاره وطموحاته.

لكل فرد من مجموعة “ناس الغيوان” كانت له هواجسه وعوالمه الخفية البعيدة عن “كاميرا” الإعلام؛ فالفنان عبد الرحمن قيروش الملقب بـ”باكو”، الذي يعد أحد مؤسسي هذه الفرقة الأسطورية، كان “مجذوبا” وصوفيا، عالمه مسكون بـ”الحال” دون تصنع، حتى عويله في أغنية “غير خدوني” وصيحته الشهيرة خرجت تلقائية ولم تحذف في التسجيل، هو شخصية فنية فريدة.

سعيد محافظ، مرافق المجموعة الغيوانية، يحكي: “في إحدى السهرات الفنية التي كانت تقيمها المجموعة، كنتُ بصدد جمع الآلات الموسيقية بمعية باكو، فإذا بأحد محبي الغيوان وعشاقها يتسلل إلى الخشبة ويطلب أخذ صورة مع “باكو”، لبى الأخير رغبته؛ لكنه انفجر لما طلبه الغيواني مده بـ”السنتير” ليلتقط صورة معه وقام بطرده”. ويبرز هذا الحدث العفوي والارتجالي مدى ارتباط عبد الرحمان باكو بآلته الموسيقية “السنتير”، الذي كان يقدسه بطريقة غير عادية.

وفي هذا السياق، يتابع مرافق المجموعة الغيوانية قائلا: “أثناء عزفه على الآلة الساحرة، كنت ألاحظ شيئا غريبا هو أن آلته على الرغم من عدم وجود (الزيار كما هو الآن) المساوية فإنها لا تسقط، فكان يضبطها قبل صعود الخشبة”.

لقد كان “باكو”، المنحدر من مدينة الصويرة المعروفة بطابعها الصوفي وموسيقى “كناوة” ذات الأصول الإفريقية والأمازيغية، ميزانيا كبيرا، كما يقول محافظ في دردشة مع هسبريس، وهو ينقر جل الإيقاعات المغربية التي تنهل من التراث كالحمدوشي وأقلال وغيرها من الإيقاعات الصعبة. وقد كان لـ”مجذوب” الغيوان الفضل الكبير في شهرة آلة “السنتير” ووصولها إلى العالمية، حيث كانت له الجرأة في إخراجها من طقوس كناوة المنغلقة، ليضعها على جناح السفر مع الفنان العالمي جيمي هاندريكس.

“مرة كنا في حفل بمدينة تطوان، رأيت عجبا من الجمهور، فلأول مرة أرى جمهورا متفقا على أن يتابع الفرقة بدون شوشرة أو رقص، فقط يصفق في الوقت المناسب ويتابع الحفل بهدوء تام وانضباط لم أعهده من قبل”، يقول محافظ.

ويستطرد المتحدث ذاته في بوحه لجريدة هسبريس الإلكترونية: “لكن عندما وصلت الفرقة إلى أغنية “نادي أنا”، وما إن دخل باكو في جذبته، حتى انقلب الحفل رأسا على عقب وأصبح “الطايح أكثر من النايض”، لأن رقصة باكو الفرجوية الممتحة من عالم كناوة اجتذبت الجميع وحركت فيهم الحال”.

hespress.com