أوْلى حزب العدالة والتنمية في البرنامج الانتخابي الذي دخل به غمار الانتخابات التشريعية لسنة 2011، التي أوصلته إلى الحكومة عقب الحراك الاجتماعي الذي شهده المغرب على غرار عدد من بلدان المنطقة في تلك السنة، أهمية كبيرة لتحسين الوضعية الاجتماعية للمواطنين، فماذا تحقق من هذا البرنامج المعنون بـ”من أجل مغرب جديد-مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة”؟

يقوم التصور العام للحزب ذي المرجعية “الإسلامية”، الذي بنى عليه برنامجه الانتخابي لسنة 2011، على التطلع إلى “بناء مجتمع متوازن ومستقر ومتضامن ومزدهر، قوامه طبقة وسطى واسعة مع نظام تضامني يحقق العيش الكريم لفقرائه ويوفر الأمان وشروط الفعالية والمسؤولية الاجتماعية لأغنيائه”.

وتعكس المعطيات الواقعية أن الحزب المتزعم للحكومة خلال الولايتين الحالية والسابقة، لم ينجح في توسيع الطبقة المتوسطة كما وعد بذلك، نظرا لاعتبارات عدة، في مقدمتها غلاء المعيشة وارتفاع النفقات، بسبب اضطرار فئة واسعة من المواطنين إلى أداء مقابل خدمات كان من المفترض أن تقدمها الحكومة، على رأسها تدريس الأبناء والتطبيب.

في بحث نشر على هسبريس شهر ماي الماضي، اعتبر محمد كريم، خبير لدى المؤسسات الدولية، أن عتبة الولوج إلى الطبقة المتوسطة في المغرب أصبحت عالية مقارنة مع دول أخرى، ذلك أن الانضمام إلى هذه الطبقة يقتضي حصول الأسرة المكونة من أربعة أفراد على دخل شهري لا يقل عن 10 آلاف درهم، بينما لا يتعدى متوسط دخل الأسر حاليا 7661 درهما.

“إن السياسات المتبعة أدت إلى وضع المغرب على طريق القطيعة بين فقرائه وأغنيائه، مع الإضعاف المتزايد للطبقة الوسطى وما يؤدي إليه من انتشار للفساد والنهب والريع”؛ كانت هذه من العبارات القوية الواردة في البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية لسنة 2011، غير أن الحزب لم يتمكن من محاربة “الريع” الذي لا يزال منتشرا على نطاق واسع”، وهو ما أكده تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

من بين التوصيات الواردة في التقرير المنجز حول “المقاربة النيابية للنموذج التنموي الجديد للمملكة المغربية”، الدعوة إلى القضاء على مكامن الريع والاستخدام غير الأمثل للنفقات الضريبية، وتقنين المنافسة، وتعزيز حكامة مختلف الأسواق من أجل مكافحة مصادر الاختلالات والريع والحواجز التي تحول دون ولوج المقاولات الصغيرة والمتوسطة إلى السوق.

من المجالات الأخرى التي رسبت فيها حكومة العدالة والتنمية، محاربة دور الصفيح؛ فعلى الرغم من أن برنامج “مدن بدون صفيح 2008-2018” استغرق زمنيا سبع سنوات من عهد حكومة “الإسلاميين”، إلا أنهم لم ينجحوا في تحقيق أهم الأهداف التي جاءت في البرنامج، بحسب ما جاء في التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات.

ويفيد التقرير الذي قدم أمام مجلس النواب شهر يناير الماضي، بأن الحكومة لم توف بالتزاماتها بخصوص القضاء على دور الصفيح في المواعيد النهائية المحددة لهذه العملية. بل أكثر من ذلك، فإن عدد الأسر القاطنة في دور الصفيح زاد بـ202 ألف أسرة، بمتوسط زيادة وصل إلى 10 آلاف أسرة سنويا.

من بين الوعود التي تضمنها البرنامج الانتخابي الذي أوصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة أول مرة سنة 2011، وضع سياسة صحية “فعالة وناجعة، وذلك بضمان حق التطبيب في كل الأحوال”، غير أن هذا الوعد أيضا لم يتحقق؛ إذ ما زال القطاع الصحي يعاني من اختلالات كبيرة رصدتها تقارير مؤسسات رسمية، آخرها التقرير الصادر اليوم عن اللجنة الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية التي شكلها مجلس النواب.

وفي المجال الحقوقي، قدم حزب “المصباح” وعودا “بمراجعة العقوبات السالبة للحرية في مجال الصحافة”، و”تجريم كل خرق للقانون يؤدي إلى الحد من حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر أو عرقلتها”. وعلى الرغم من أنّ عقوبة سجن الصحافيين أسقطت من قانون الصحافة والنشر، إلا أنّ عددا من الصحافيين اعتقلوا خلال السنوات الأخيرة بسبب متابعتهم بفصول القانون الجنائي، بينما لا تزال الجمعيات الحقوقية تشتكي من منعها من حق التجمع المنصوص عليه في الدستور، وحرمانها من الحصول على وصولات الإيداع المؤقتة والنهائية، إضافة إلى حرمان بعضها من استعمال القاعات العمومية.

ويبقى المثير في البرنامج الانتخابي الذي سعى حزب العدالة والتنمية عن طريقه إلى الفوز بالانتخابات التشريعية لعام 2011، هو أن قيادة الحزب كانت تدرك أن البرنامج الذي قدمته قد لا ينفذ، وهو ما عبر عنه الأمين العام للحزب آنذاك عبد الإله بنكيران، في ندوة صحافية، بقوله: “هاد البرنامج اللي بذلنا فيه مجهود كبير كتبطق منو أمور ومغيطبّقش كلو”.

hespress.com