لم يستسغ الإسبان تأجيل الرباط عقد القمة الثنائية (الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب) إلى فبراير 2021، بعدما كان مقرّراً عقدها في الرباط في 17 دجنبر، حيث يُنظر إلى الأمر على أنه “علامة” بارزة تعكس مزاجية العلاقات بين الجارين، بينما تزامن ذلك مع إعلان الاعتراف الأمريكي بالصحراء ووجود وفد إسرائيلي أمريكي كبير في الرباط.

ومقابل هذا التوجس السياسي الذي يبديه الإسبان تجاه المغرب، يستمر التعاون الاستراتيجي بين البلدين في تجاوز عراقيل “السياسة المتقلبة”، فمدريد ثاني مستثمر أجنبي بالنسبة للمملكة (بنسبة 14٪ من الإجمالي المسجل وفقًا لمكتب مراقبة الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية)، ولا تتفوق عليها سوى فرنسا.

وتعد إسبانيا اليوم أكبر مستثمر في المملكة، مع أكثر من 1000 شركة تتواجد على الأراضي المغربية، كما تشترك في أسهم أكثر من 7000 شركة أخرى. ويشير الخبراء إلى أن ورقة الهجرة تستخدم في الفترة الحالية لدفع حكومة بيدرو سانشيز إلى عدم التدخل في الشأن السيادي المغربي.

وقال شرقي خطري، مدير مركز الجنوب للدراسات والأبحاث، إن “العلاقات المغربية الإسبانية تحكمها مجموعة من الملفات والقضايا ذات الحساسية المرتبطة بالأمن القومي للبلدين”، مبرزا أن “الحكومات المتعاقبة تتجاذبها عوامل قائمة على التعاون وتتخللها أحيانا محطات حذرة وفق محاذير التشنج”.

واعتبر المحلل السياسي أنه “مع توالي الهزات السياسية الداخلية في إسبانيا وصعود قوى سياسية جديدة وأفول بعض الهيئات السياسية التقليدية، أثر كل هذا على مجال تعزيز الشراكة بين إسبانيا والمغرب في ملفات عدة ابتدأت مع فترة ألبرتو نافارو ويتم التعبير عنها في وسائل الإعلام الإسبانية، وينضاف إلى ذلك التحولات التي عرفتها المنطقة والسياقات الإقليمية والدولية”.

الخبير في العلاقات الدولية توقف عند ملف الصحراء وتعاطي الجارة إسبانيا معه بعد اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية والإجراءات المصاحبة له والتداعيات الجیو-سياسية للتغييرات التي ستعرفها المنطقة في مجالات عدة، سواء في الجانب الاقتصادي والتعاون الأمني والاستخباراتي، مع بقاء إسبانيا أحد أهم الشركاء التجاريين للمغرب داخل الاتحاد الأوروبي.

وينظر المحلل ذاته إلى العلاقات المغربية الإسبانية عبر ثلاث زاويا؛ الأولى تتميز بنوع من التجاذب بين استمرارية الثبات والاستقرار في ما يخص الملفات الاقتصادية والتعاون الأمني والاستخباراتي، والتوتر والتغيير والحذر فيما يخص ملف الصحراء وقضية سبتة ومليلية، حيث اتخذ المغرب مجموعة من التدابير حول منع دخول السلع وغيرها عبر فرض تحويط استراتيجي يتماشى مع نظرة استشرافية لمنطقة المتوسط.

أما الزاوية الثانية التي ينظر منها الباحث للعلاقات المغربية الإسبانية، فهي ظهور فاعلين جدد على مستوى المنطقة بين البلدين، خاصة مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتوقيع اتفاقية الشراكة مع المغرب.

والزاوية الثالثة تتمثل في الدور الجديد الذي أضحت تمثله المناطق المطلة على حوض المتوسط للرهانات الاقتصادية المغربية، سواء المنطقة الحرة بطنجة ومينائها المتوسطي، أو البنيات الموازية على غرار الناظور ومينائها الجديد الذي له أولوية كخيار استراتيجي جديد.

وبالنظر إلى الشكل العام لجوهر العلاقات الإسبانية المغربية، يوضّح خطري، فالشكل الغالب عليها الهدوء النسبي، ومرد ذلك إلى طبيعة الملفات، سواء اتفاق الصيد البحري الذي يتم تجديده سنويا مع الاتحاد الأوروبي، أو المنتجات الفلاحية المغربية، أو محاولة فرض أعباء على المغرب في تحمل تبعات الهجرة، أو ترسيم حدود الجرف القاري وما تبعه، أو موقف مدريد من الصحراء.

ويرتبط كل هذا، بحسب المحلل نفسه، بزيادة النفوذ المغربي على المستوى الإقليمي وتراجع مكانة إسبانيا أوروبيا الواضح للعيان على مستوى الأزمة الداخلية الإسبانية، والتوجهات الجديدة للخطاب السياسي وتهديد الوحدة الإسبانية بتطور مستويات المطالبة بالانفصال في كاتالونيا و”الباسك”، ودخول الفاعل الصيني اقتصاديا وإقامة مشاريع استثمارية ضخمة بالمغرب، والدور الأمريكي الفرنسي المعبر عنه في الاجتماع المنعقد لأجرأة حل ملف الصحراء وفق مبادرة الحكم الذاتي بحضور 40 دولة، وافتتاح بعثات دبلوماسية بالصحراء.

hespress.com