عمال وعاملات بثغر سبتة المحتل، من مختلف الأعمار ومن الجنسين، وقعوا ضحية إغلاق “المعبر الحدودي تاراخال” قبل أربعة أشهر ونيف من الآن، لكل واحد منهم قصة ومهنة، غير أنهم يتشاركون فصولا من المعاناة قوامها فقدان العمل وتهديدات بالطرد.

شهور مضت على بداية معركة وباء كورونا ولم تنته بعد، ربما هي هدنة مؤقتة، إلا أن الأكيد أنها خلفت أضرارا نفسية واجتماعية واقتصادية ضحاياها بالمئات، بعضهم اضطر لبيع أثاث منزله، ونساء أرهقتهن الحاجة فاضطررن لبيع حليهن ومجوهراتهن.

بصوت حزين، وعيون دامعة تعكس مشاعر مختلطة تمزج بين الألم والأمل، تقول خديجة، إحدى العاملات بسبتة المحتلة، في تصريح لهسبريس، إن “تداعيات جائحة كورونا كان لها بالغ الأثر على أحوالنا الاجتماعية؛ إذ تسببت في توقف ما يزيد عن 3600 عامل وعاملة بالمدينة عن العمل لأربعة شهور متتالية نتيجة إغلاق المعبر الحدودي”.

لا يحتاج المرء إلى الكثير من الفراسة لملامسة ما يدور في دواخلهم من آهات، نظرات عيونهم تفضح كل شيء، وتشابك الأصابع أثناء الحديث يفصح عن حالة قلق وتوتر وإحساس بالقهر والعجز، فمن كان معيل الأسرة ومصدر تحويلات من العملة الصعبة إلى المملكة غدا مهددا بالبطالة والمصير المجهول.

بحسرة، تضيف خديجة: “أصبحنا مهددين بفقد العمل علاوة على فقدان الحق في التعويض عن التقاعد، نتيجة استمرار إغلاق المعبر دون تحديد أي تاريخ لإعادة فتحه، في وقت يطالبنا فيه أرباب العمل بضرورة الالتحاق بالشغل ابتداء من منتصف يوليوز”، مشيرة إلى أن “هذا الوضع المزري الذي نعيشه ستكون له تبعات وخيمة على أسرنا إن استمر على ما هو عليه”.

وتساءلت المتحدثة ذاتها: “ماذا عساي أفعل إذا تم طردنا من العمل الذي أمضينا فيه سنين طويلة؟ وكيف لي أن أستمر في أداء واجبي تجاه أبنائي الثلاثة اليتامى وقد استنزفت الشهور التي قضيناها متوقفين عن العمل كل ما وفرناه؟”، مؤكدة أن “أملنا كبير في أن يستجيب المسؤولون لطلبنا، ويبادروا إلى إيجاد حل يقينا من تهديد الطرد الذي بات يؤرقنا ويبعد النوم عن أجفاننا”.

مناشدات وتحركات شبه يومية للمئات من العمال المهددين بفقدان مصدر قوتهم بين عمالة المضيق الفنيدق وعمالة إقليم تطوان، لعلهما تخلصانهم من عذابات “سيزيفية” أرهقت كاهلهم واستنزفت مدخراتهم، في مشهد يلخص آلام فئة عريضة تذوق سياط الوعيد والتهديد من أرباب العمل بسبتة، وجحود وتنكر الحكومة المغربية.

“ارحيمو” التي قضت ما يناهز 25 سنة من العمل مستخدمة بسبتة السليبة، طالبت الجهات المختصة بتسهيل جميع الظروف لعودتها وجميع زملائها وزميلاتها إلى عملهم بالمدينة المحتلة، قائلة: “على المسؤولين أن يستحضروا حجم المعاناة التي نعيشها، وثقل الالتزامات التي على كاهلنا من قروض ومصاريف المرض ودراسة الأبناء بالمدارس الخاصة…”.

وزادت “ارحيمو”: “وضعنا الحالي يرثى له، فنحن نعاني في صمت، ولم تدعمنا في محنتنا لا حكومة سبتة المحلية ولا الحكومة المغربية”، وأردفت قائلة: “هكذا وجدنا أنفسنا عرضة للضياع والتشرد، فلا أرباب عملنا يقدرون الإكراهات التي نعانيها بسبب هذا الظرف القاهر الذي يمنعنا من الالتحاق بالعمل، ولا السلطات المغربية سمحت لنا بالعودة”.

واعتبر سعيد الحضري، فاعل جمعوي، أن معاناة هذه الفئة العريضة من العاملين بسبتة بعقود عمل قانونية، “تحولت من شقاء الانتظار في طابور لا ينتهي لدخول المدينة، الذي عادة ما كان يفضي إلى تأخيرهم عن الالتحاق بمقرات العمل، إلى مشكل عويص يهدد مستقبلهم المهني بسبب استمرار إغلاق المعبر الحدودي”.

وأوضح الحضري، في حديث لهسبريس، أن “الحكومة المغربية ربما تجهل أن هناك ما يناهز 3600 من اليد العاملة المغربية التي تلج سبتة بشكل يومي للعمل، مساهمة على مدار السنة في تحريك عجلة الاقتصاد بالمنطقة”، مشيرا إلى أن “متوسط دخل الفرد شهريا يتراوح ما بين 500 و1000 يورو، ينفق كليا بالمغرب على التزامات تتعلق بقروض السكن، ومصاريف تدريس الأبناء بمدارس خاصة…”.

وأكد الفاعل الجمعوي أن “استمرار إغلاق المعبر سيتسبب في طرد هذه اليد العاملة التي لا تكلف المغرب أي سنتيم، مما سيرفع من معدل البطالة بالمنطقة بشكل كبير، وهو ما قد يهدد السلم الاجتماعي لكون العديد من الأسر ستعيش حياة الضياع”، مشددا على أن الأمر “لا يتطلب غير قرار حكيم يستحضر البعد الإنساني والاجتماعي للمحافظة على لقمة عيش هؤلاء العاملين بسبتة”.

[embedded content]

hespress.com