عرّف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، معنى العبادة بأنها الاسم الجامع لكل ما يرضاه الله ويحبه من أقوال وأفعال ظاهرة وباطنة، موضحا أن العبادة في اللغة تحمل معنيين: غاية الحب مع غاية التذلل، وهما لا يجتمعان إلا لله وحده.

وقال الداعية الإسلامي، في الحلقة التاسعة عشرة من برنامجه الرمضاني “منازل الروح”، إن العبودية “فكرة تعيش بها، وليس مجرد عبادة وأداء صلاة، بل هي تمام الخضوع مع تمام الحب”، مبينا أن أجمل معنى يمكن أن تعيشه هو أن تكون عبدًا لله.. تعيش له عبدًا، وتلقاه عبدًا.. “إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا”.

وأضاف خالد أن العبادة نوعان: عبادة تقديس، وعبادة تعمير، مشيرا إلى الغاية الحقيقية من خلق الإنسان هو أن الله تعالى خلقه ليكون لله عبدًا، فمهما امتلك فهو عبد له، هو الخالق المالك ونحن عبيده.. “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”.

وأكد أن الناس تنسى أو تتناسى الحقيقة الأولى في الوجود.. تنسى الله، أو تترك الصلاة، أو تداوم على المعاصي، من دون توبة أو انقطاع.. “لأنك في الأصل نسيت أنك عبد لله.. وعندما تذكر أنك عبد لله.. فإن هذا هو مفتاح الحب والخشوع والصلة.. عش معنى أنك عبد.. في خواطرك.. في صلاتك.. في سكونك.. وأنت أمام المرآة.. في عملك.. وسط نجاحك.. وسط أهلك وأولادك”.

وشدد خالد على أن الروح “لا يمتعها إلا شعور العبودية لله، لأنها نفخة من الله، عندما يأتي ملك الموت لا يعنيه جسدك، لقد جاء لأخذ روحك الغالية لأنها تعبد الله. أما الجسد فيتركه لنا نضعه في التراب وتصعد الروح إلى الله.. فيقول لها: “فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”.

واعتبر الداعية الإسلامي أن قمة العبودية هي أن “تمارس العبودية بكل كيانك: العقل يتذكر أنه عبد.. الروح تخشع.. اللسان يذكر.. الجسد يركع ويسجد.. أطلق روحك بالذكر والسجود.. تشعر بحلاوة العبودية لله”.

ودعا خالد إلى تذوق جمال العبودية في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: سيد الاستغفار “اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.

وأكد الدكتور عمرو خالد أن “الإنسان يحتاج إلى معنى كبير في الحياة، يحتويه وينتمي إليه.. ومثال ذلك إبراهيم عليه السلام: “فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ”، “ارتبط بما هو أكبر منك.. من أهم المصادر التي تشعرنا بأن لحياتنا معنى الدين والعلاقات الاجتماعية مع الناس؛ فالدين يعطي تفسيرا لأحداث الحياة ويرسم أهدافا تعطي الحياة المعنى والهدف”.

وذكر خالد أن “كل السعادة مبنية على المعنى في الحياة، وبني علم النفس الإيجابي على هذه الفكرة، فالمعنى يحركك لوضع أهداف قوية لحياتك تؤمن بها وتتحرك نحوها.. لو المعنى الكبير في حياتك.. أسرتك.. ستسعى إلى إنجاح أسرتك وإلا أنت مدع.. لو المعنى الكبير في حياتك الله.. ستسعى إلى إرضاء الله وإلا أنت مدع”.

وروى نموذجا لذلك المعنى الذي يجب أن تنتمي إليه، وذلك في قصة أنس بن النضر عندما أشيع في يوم أحد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قوموا فموتوا على ما مات عليه.. أبوبكر عند وفاة النبي قال أيضا: “من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.

وقال الداعية الإسلامي إن “عبودية الله قمة الحرية، لأنها تحررك من كل عبودية للبشر أو للأشياء.. لله وحده.. العبودية لله ليس فيها حرمان، لأنك عبد له وحده.. الله خلق الإنسان مخيرا، وسمع بوجود الشر، من أجل حريتك”.

وحث خالد على عيش معنى التذلل لله، من خلال الافتقار إليه.. “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ”، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني عبدك وابن عبدك.. ناصيتي بيدك”.

وتابع: “كان الصحابة والتابعون إذا أصابهم ابتلاء يجثون على ركبتيهم.. وهذا هو الخضوع والتذلل مع قمة المحبة.. ويرفعون أيديهم إلى السماء وينادون الله أن يرفع عنهم الابتلاء”.

وشدد على أنه “عند المعصية لن ينجيك إلا أن تتذكر أنك عبد لله.. لو لم تستطع أن تتوقف عن المعصية وحاولت وتعود.. حافظ على معنى أنك عبد له سيتوب عليك”.

وقال خالد إن “إخراج الإنسان ضعفه يريحه؛ لكنه الخوف من الشعور بالعار يمنعه من أن يفضفض للناس بالمعاصي التي ارتكبها، إلا مع الله، فلديك بيئة آمنة مائة في المائة، قبلك بضعفك وخطئك، يسامح ويرضى ويعوضك.. إذن العبودية لله أكثر أمانا في تعبيرك عن ضعفك الإنساني”.

ودعا إلى ضرورة أن نتصرف كما يتصرف العبد، “لأنك في الدنيا ليس من أجل أن تختبر ربنا! لن تراه الرحمن والعادل والجيب للدعاء مثلما قال لنا أم لا؟، أنت هنا من يُخْتَبَرْ وليس العكس.. هل أنت عبد حقيقي لله سبحانه وتعالى أم لا؟، سوف تصبر على القضاء، أم تجزع، وتضرب الأرض وتقول لماذا حصل لي هذا؟ سوف أشكر الله على نعمه، أم ستقول: “إنما أوتيته على علم عندي؟”.

ومضى الدكتور عمرو خالد داعيا إلى تحقيق العبودية الكاملة لله، “اعبده لأنه يستحق العبادة قبل أن تطلب منه.. اعبده ليرضى وليس ليصطفي، فإذا رضي أدهشك بعطائه”.

وخلص الداعية الإسلامي قائلا: “عندما تكون في ورطة وكل الأبواب مغلقة، اذهب إليه بعجزك يقول لك: لبيك عبدي لبيك عبدي.. أقوى معنى يجعلك تشعر بالعبودية لله.. هو الذكر.. العبودية كلها إحسان، لأن كلمة: تعبده كأنك تراه.. تجمع العبودية مع الإحسان”.

hespress.com