قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن ليلة القدر سميت بهذا الاسم لما لها من رفعة وقيمة وقدر عظيم، وفيها أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بداية للحق والنور.
وأضاف خالد، في الحلقة العشرين من برنامجه الرمضاني “منازل الروح”، أن “كل مميزات القرآن تنطبق على هذه الليلة: رحمة – نور – شفاء – برهان – روح، لذلك تكرر اسمها ثلاث مرات في السورة (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)”.
وأكد أن “قدرها وشرفها وثوابها يفوق قدرة المخلوقين على التصور والاستيعاب، لأن تقدير الآجال والأرزاق والسعادة والشفاء والهداية والضلال فيها، فهي ليلة تقدير كل شيء: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)”.
وأوضح خالد أنه “في هذه الليلة تضبط شؤون المخلوقات على الرغم من أن ذلك أزلي ومكتوب، لكن التقدير هنا هو إظهار هذه الأمور للملائكة” مشيرا إلى أنها سميت ليلة القدر “لأن الملائكة تكتب فيها الأقدار، والأمر الحكيم. حكمته تعالى في شؤون الدين والدنيا. فماذا تحب أن يكتب عنك؟ وعلى مستوى الأمة، ماذا سيكتب عنها في هذه الليلة؟”.
وذكر خالد أن “سورة القدر تفسر نفسها: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) تحدد خصائص هذه الليلة. فيها أنزل القرآن، خير من ألف شهر، تنزل الملائكة فيها إلى الأرض. ليلة من الله للبشر مدتها حتى مطلع الفجر. المهم أن يكون قدرها لديك كبيرا”.
ولفت إلى أن الملائكة تنزل في هذه الليلة بكثافة شديدة وحشد ضخم للاحتفال بالقرآن في الأرض، واصفًا إياها بأنها “ليلة اتصال السماء بالأرض في رحمة الملائكة. تستغفر للمؤمنين وتدعو لهم. فالقدر من الضيق أيضا (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) تضيق الأرض بسبب الازدحام بالملائكة”.
وقال إن “جبريل ينزل في هذه الليلة، على الرغم من أن هذه ليست من مهمته، لكن مهمته الوحي إلا أنها ذكرى سنوية، فهي أفضل يوم في حياة جبريل. يوم بدء الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، يكرمه الله بنزول هذه الليلة لماذا؟ يتفقد القرآن بين أمة القرآن”.
وأشار إلى أنه “في هذه الليلة (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) سلام في الله (رحمة) سلام في الملائكة (استغفار) سلام لأهل الأرض (لا للشحناء)، ليلة يسالم الله فيها عبادة ويتجاوز عنهم”.
وأضاف أنه في هذه الليلة “يحمل أنين المذنبين وأنفاس المحبين وقصص التائبين، كأنها ليلة رد بصر يعقوب وفرحه بيوسف. ولو قام المذنبون ورفعوا الاعتذارات (مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة وتصدق علينا)، لجاءهم الرد: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)”.
وأوضح أن “ثواب الليلة: (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا)، فيها يجاب الدعاء. وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، بم أدعو؟ قَال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)”.
ووصف خالد ليلة القدر بأنها “ليلة العتق من النار”، محددًا الصفات القلبية في هذه الليلة: “التوبة-أكثر التذلل لله-الخشوع والتركيز. الإقبال على باب الله-اذكر باسم الله الودود/الفتاح/العفو-حدد دعوات مخصوصة”.
وحول موعد ليلة القدر، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحراها في الليالي الوترية، “الحافظ ابن حجر يقول إنها ليست ثابتة في العشر الأواخر، وإنها تنتقل بين أوتار العشر”.
وفسر إخفاء الله لها بأنه “من عجائب اسم الله الستار. أخفى ليلة القدر ليستعد كل مؤمن في كل ليلة. أخفى أولياءه بين عباده ليحفظوا حرية كل مؤمن. أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة ليعبدوا في اليوم كله. أخفى اسم الله الأعظم ليعظموا الأسماء كلها. أخفى الصلاة الوسطى لئلا يتهاونوا في أي صلاة. أخفى وقت الموت ليخافوا في كل الأوقات”.
وقال إن “النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر، وكان يخص العشر الأواخر بأعمال لا يعملها في بقية الشهر، يطوى فراشه ويعتزل نساءه”.
وذكر أن “الصحابة كانوا يغتسلون ويتطيبون كل ليلة في العشر تأدبًا مع ليلة القدر. وقد اشترى تميم بن أوس الداري رضي الله عنه حلة بألف درهم كان يصلي فيها في ليلة القدر”.
ودعا خالد إلى إحياء هذه الليالي بـ”صلاة التهجد وقراءة القرآن والإكثار من الدعاء. ويسن في العشر الأواخر الاعتكاف، وأن تؤدي صلاة التهجد لختم القرآن سواء في المسجد أو في البيت جماعة مع زوجتك. أيضًا من الأمور المستحبة: صلة الرحم، البر بالوالدين”.
وأكد أنه “لا يفوت الأجر في هذه الليلة المرأة حتى لو أصابها الحيض (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ). ويستحب الإكثار من الدعاء. كان سفيان يقول: (الدعاء لي هذه الليلة أحب إلي من الصلاة). ومن أفضل الدعاء: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)”.
وحذر خالد من أن “يحول بينك وبينها الشحناء، المعصية والغفلة. وإذا أردت أن تأخذ ثوابها مرتين، خذ بيد إنسان في هذه الليالي. نأمل ونتذلل وندعو لنهضة بلادنا وأمتنا ونجتمع على ذلك بقوة، لنصنع الحياة بعد رمضان”.