عرّف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، معنى الرضا بأن ترى الحسن والسيئ، لكن تركيزك على الحسن يغطي على السيئ، موضحا أن “الألم موجود لأننا بشر، لكنه يخف ويقل أثره عندما يدخل عليه الرضا برؤية الجيد في حياتك”.
وأضاف خالد، في الحلقة الخامسة عشرة من برنامجه الرمضاني “منازل الروح”، أن “معنى الرضا عن الله، هو الاطمئنان إلى أن قدره خير لك”، مبينا أن “الرضا ذكر في القرآن 30 مرة، منها خمس جاءت بصيغة: “رضي الله عنهم ورضوا عنه”.. رضا متبادل بين العبد وربه”.
وشدد خالد على أن مفتاح الرضا يتجسد في “يقينك التام بأن قدر الله كله لك خير”، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا والإسلام دينًا ومحمد نبيًا ورسولاً”، لأن هناك إيمانا لا طعم له لكن الرضا يحليه ويجمله، من قال حين يصبح ويمسى “رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً وجب على الله أن يرضيه في ذلك اليوم”.
وأشار إلى أن “الحمد يغرس الرضا ويفتت كتلة الألم”، لافتًا إلى دراسة طويلة أجرتها الدكتورة باربوا فرديكسن في علم النفس الإيجابي وجدت أن سلوك الإنسان هو نتاج ثلاثة أشياء: 50 في المائة جينات الإنسان الموروثة (ليست ملكك – خارج تحكمك)، 40 في المائة سلوكك وعاداتك وقيمك (اختيارك داخل تحكمك)، و10 في المائة البيئة المحيطة.
وقال خالد إن “الدكتورة باربوا اكتشفت أن الجينات ليس معناها أنك مجبر على فعلها، ولكن معناها أن لديك قابلية للعمل المعين بنسبة 50 في المائة، تزيد النسبة أو تنقص بـ 40 في المائة الخاصة بسلوكك وقيمك وعاداتك، مثل شخص لديه جين السمنة، لكنه رفيع لأن أكله صحي، على الرغم من أن الجين 50 في المائة، لكنه يتحكم فيه بعادات صحيحة، أما البيئة 10 في المائة فقط. إذن، العامل الهام والأكبر هو اختيارك أنت: قيمك وسلوكك وعاداتك”.
وتحدث خالد عن نماذج من الرضا، ومن ذلك عندما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وعمره 61 عامًا، والذي كان متعلقًا به بشدة، وكان يحبه، فلما أصبح عمره عامين توفي، وعندما مات بكاه، ودخل غرفته ودعا الله بهذا الدعاء: “(لبيك وسعديك)، يعني أنا بين يديك وأنا معك، (لبيك وسعديك والخير كله بين يديك والشر ليس إليك)، والدموع تنسكب على وجنتيه، حيث استطاع أن يجمع بين الرحمة والرضا، على عكس أناس لديهم مشكلة في الجمع بينهما”.
وذكر أن “السيدة صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم ضربت نموذجا في الرضا، وذلك بعد أن قتل أخوها سيدنا حمزة في غزوة أحد، وقامت هند بنت عتبة ببقر بطنه، وقضم كبده، عندما أرادت أن ترى أخاها، قال النبي للزبير بن العوم إياك أن تجعلها تراه، فقال: يا أمي، قال رسول الله لا تنظري إلى حمزة، فقالت السيدة صفية: أيظن رسول الله أني أسخط على قدر الله، يا بني لقد أرضانا الله كثيرًا”.
ومن نماذج الرضا أيضا التي تحدث عنها خالد، ما فعله الصحابي سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي فتح كثيرًا من البلدان، وانتصر في القادسية، وبعد الفتح فقد بصره، فتعاطف الناس معه، وبكى أحدهم عندا رآه على هذه الحال، فقال له: “يا بني لا تبك.. قضاء الله أحب إليّ من بصري”.
وكشف خالد عن الفرق بين التسليم والرضا، قائلاً: “هناك تشابه كبير وكلاهما موافقة مرادك لمراد الله، لكن الفرق أن التسليم يكون قبل حدوث القضاء، والرضا يكون بعد القضاء”.
وقال إنه “كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء). فالتسليم هو الأصل، والرضا هو الدليل على صدق التسليم عندما يقع القضاء، لأنك يمكن أن تدعي أنك مسلم لله، فإذا وقع القضاء غضبت، فدليل صدق تسليمك هو رضاء بقضاء الله، فتبدأ بالتسليم وتنتهي بالرضا”.
ووصف خالد الرضا بأنه “أقوى وسيلة تعرف بها أن ربنا راض عنك (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)؛ إذ يقول الحسن البصري: (ارض عن الله يرض عنك). كيف أرضى عن الله؟ ترضى بقضائه لك يرضى عنك”.
وتابع: “إذا وجدت قلبك راضيًا عن الله، فاعلم أنه راض عنك. وهذا المعنى كان منتشرًا بين المسلمين في الأزمان السالفة. يقول الشافعي: (إذا كان رضاك عن قدره كرضاك على نعمة، فقد رضيت عن الله)”.
وأوضح خالد أنه “عندما تنظر للابتلاء على أنه نعمة، يتحول الابتلاء لنعمة. الرضا يجعلك تقول: ليس هناك أمر سيئ، كل ما يأتي به ربنا جميل. ومن يقول ذلك، فلا يمكن إلا أن يرضيه ربه”.
وتحدث عن أثر الرضا عند الموت، قائلاً: “لو قابلته راضيا ستكون مرضيا، ستضمن أجمل نهاية (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، فإن من رضي في الحياة، رضيت روحه عند الموت. ارض عن الله وأنت حي يرزقك روحًا راضية، وأنت ميت تخرج روحك راضية مرضية”.
وضرب خالد مثالا بأنه عندما يشتمك أحدهم فيؤثر ذلك في نفسيتك بشدة وتفقد رضاك عن كل شيء، فإن هناك حلين لهذه المشكلة، “الأول: لا تلتفت للمؤذي من كلام الناس. النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوهم إنهم يشتمون مذممًا وأنا محمدًا).
أما الحل الثاني، فيتمثل في الذكر بوصفه علاجا للأذى النفسي، وقد وردت الإشارة إلى ذلك في ثلاثة مواضع بالقرآن لحماية القلب من أثر الكلام السيئ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين”، “فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)، (فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)”.
وقال خالد إن “التسبيح يحمي القلب من أثر الكلام السيئ، ويورثك شعور الرضا الذي يستقر في القلب”. مع ذلك، أكد أن “الرضا لا يتعارض مع الألم والدموع: النبي صلى الله عليه وسلم بكي عندما مات ابنه إبراهيم، لكن قلبه كان راضيًا عن الله. فجمع بين المنزلتين”.