قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن الرضا ينمي الوعي بكل شيء جميل، وإن من يمتلك الرضا الحقيقي يستطيع رؤية الجمال ويتذوقه، موضحا أن علم النفس الإيجابي يعتبر أن صفة تقدير الجمال أقوى علامات قوة الشخصية، لأنها دليل على أن المرء واع ويشعر بكل ما حوله من جمال.
وأضاف خالد، في الحلقة السابعة عشرة من برنامج “منازل الروح”، أن العلماء يقسمون الجمال إلى ثلاثة أنواع رئيسية، هي: جمال الطبيعة، جمال الأخلاق وجمال من صنع البشر.
ووصف خالد القرآن بأنه “لوحه جمالية وليس أوامر ونواه فقط”، مستعرضا آيات الجمال في القرآن، ومنها قوله تعالى “تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا” (الفرقان: 61)، “إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ” (الصافات: 6)، “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)” (سورة الملك).
وأوضح خالد أن من أسماء الله الحسنى البديع، “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ”، معرفًا معنى الإبداع بأن تصنع شيئًا على غير مثال سابق، ومن دون أن يعلمك أحد، “صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ”.
ولفت إلى مظاهر إبداع الخالق في الكون المتمثلة في ألوان ورائحة الفاكهة، وآلاف الأنواع منها، “يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ”، وكل نوع منه مئات الفصائل.. أوراق الأشجار وأشكالها، “لو أردت أن ترسم كل أنواع الأوراق ستحتاج إلى كل فناني العالم، ومع ذلك سينفد إبداعهم”، يقول الداعية.
وذكر أن التنوع الذي ميز به الله مخلوقاته يتجلى في الاختلاف في وجوه البشر “6 مليارات نسمة. كل له وجه مختلف وبصمة مختلفة وضحكة مختلفة وصوت مختلف ورائحة خاصة. الطيور، الأسماك، النمل، الأزهار والورود، “صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ”.
وتساءل خالد: “تخيل لو أن الدنيا بالأبيض والأسود-سبحانه “جميل يحب الجمال”-تخيل لو أن لون السماء أسود، ولون الزرع أسود، لو أن الأكل نوع واحد فقط؟ (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)”.
وقال إن “النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتني بمظهَره، كانت له عباءة خاصة ليوم الجمعة، وعباءة للوفود، وعباءة خضراء ليوم العيد. ففي حديث أبي رمثة-رضي الله عنه-قال: (رأيتُ رسول الله وعليه بُردان أخضران)، وعن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء)”.
وأضاف: “كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الطعام الجميل. عن عائشة قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ). وكان يستخدم العطر، وكان في زمنه ثمنه مرتفعًا. عن عائشة قالت: (كأنِّى أنظر إلى المِسك في مفرق رسول الله وهو مُحرِمٌ)، فكانت لديه ناقة تسمى (القصواء)، وبغلة تسمى (دلدل)، وفرس يسمى (السًّكب)، ويسمي الدواب بأسماء يختارها ويناديها به. منتهى الجمال حتى مع الحيوان”.
وتحدث خالد عن النوع الثاني من الجمال: جمال الأخلاق، قائلاً: “صفات عباد الرحمن كلها جمال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وبعدها يقول: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)”.
ووصف خالد سورة الحجرات بأنها “سورة الأدب والذوق والإتيكيت في القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ)، (أول أمر بعدم التنمر)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)”.
كما وصف خالد المرأة بأنها رمز الجمال، وقد أوصى بها النبي بشدة. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم في مَسِيـْرٍ له، فحَدَا الحادي (يعني أسرع في المشي والحركة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ارفق يا أنجشة، وَيْـحَكَ بالقَوارِير)”.
وحث على النظر إلى الجانب الجميل في كل شيء حولنا: (وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء).
وذكر أن الإسلام دين مبني على حب الجمال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع القرآن من غيره بصوت حسن. عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زيِّنوا القرآنَ بأصواتكم)، ويقول في حديث آخر: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن).
وأضاف: “كما كان يختار من هو أفضل صوت للآذان. عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت به فإنه أندى صوتًا منك)، ومعنى: (أندى) أي أرفع وأعلى وأبعد، وقيل أحسن وأعذب”.
وأشار خالد إلى أن “من رحمة الرسول وإنسانيته ما حصل مع سلمة بن المعمر، عندما وقف بلال يوم فتح مكة ليؤذن في الناس فإذا بسلمة بن المعمر-وكان جميل الصوت-يسخر من آذان بلال، ويعلو صوت قريش بالضحك، فيصل الصوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيطلبه ليقابله، يقول سلمة: “فعلمت أني مقتول، ووقفت بين يديه والناس ينظرون”، فإذا بالنبي يقول له: (بلغني أنك حسن الصوت)، فقال سلمة: “فماذا؟”، فقال رسول الله له: (هل أعلمك الآذان؟)، فقال سلمة: “وتفعل؟”، قال رسول الله: (وأفعل، قل معي: الله أكبر، الله أكبر)، وكلما علمه رسول الله نظر إليه ومسح على صدره، يقول سلمة: “كلما علمني قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى من الآذان نظر إلي وقال: (هل تقبل أن تكون مؤذن أهل مكة؟)، فقلت: أقبل، فقال رسول الله: (أنت مؤذن أهل مكة)، يقول سلمة وهو يحكي القصة: “ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا أن رسول الله فعل معي ما فعل، لكنت الآن من أهل النار، وما كان لي ذكر في الدنيا”.
وقال إن النبي كان يدعو أصحابه إلى الاهتمام بمظهرهم والاعتناء به، ويقول: (من كان له شعر فليكرمه)، ولما دخل عليه رجل ثائر الشعر، قال يدخل علي أحدكم وكأنه شيطان (اذهب فهذب شعرك).
وخلص خالد إلى أن منزلة الرضا ستصل بك للإحسان، وتحقق لك صفة رائعة للسعادة النفسية تحميك من القلق والتوتر والإحباط وتقوي شخصيتك للنجاح في الحياة، وهي تقدير الجمال.