قادماً من المكاتب الاستخباراتية الإسرائيلية إلى الرّباط من أجل مهمّة واحدة؛ تعزيز التّعاون الأمني مع المغرب وتشكيل أوّل مكتب للعمل السّري، معتمداً على خبراته الطّويلة في الحركات السّرية التي تبلورت وساهمت في تأسيس الدّولة الإسرائيلية.
يتعلّق الأمر بالعميل ديفيد شومرون، الذي ارتبط اسمه بالمغرب والذي توفّي يوم الثلاثاء الماضي عن سنّ ناهز التّسعين.
ولد ديفيد شومرون في إسطنبول عام 1924، حيث لجأ والداه خلال الثّورة الشيوعية في روسيا وهاجر معهما عام 1934 إلى فلسطين.
في بداية سنواته، اشتغل في الهندسة وقد شغل مناصب لأكثر عشر سنوات في الحركات السّرية قبل قيام دولة إسرائيل، وعمل لاحقًا كضابط رفيع المستوى في الموساد لأكثر من عشرين عامًا.
كان ديفيد شومرون محاضرًا مطلوبًا كثيرًا في زمن الانتداب البريطاني. نشر أربعة كتب – اثنان عن حياته ضمن الأجهزة السّرية، وروايتان. وقد ألّف كتاب “المؤامرة العالمية” الصّادر في نونبر 2016، حيث يسرد فيه مجموعة من المعطيات التّاريخية وتجارب بعض الدّول والحكّام.
ويحكي شومرون أنّه “عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، انضمّ شقيقه الأكبر إلى الجيش البريطاني. وقد عاشت العائلة في “حيفا”، حيث التحق شمرون بالمدرسة الثانوية. مثل العديد من أقرانه في ذلك الوقت، شارك في النضال من أجل فرض السّيادة اليهودية. ثم التقى وتزوّج من الناشط زيبورا”.
وخلال الحرب الأولى لليهود، سجن شومرون في سجن يافا حتى هرب إلى كريم حاتمانيم (تل أبيب) حيث عاش في ظلّ هوية مزيفة. وكجزء من واجبه الاحتياطي للجيش، شارك شومرون في مناصب تدريبية مختلفة. بعد أن أكمل تدريب الضباط بنجاح، طلب منه الانضمام إلى الموساد. شومرون قبل وبدأ برنامجا تدريبيا طويلا.
وعمل ديفيد شومرون كعميل، خلال الستينيات؛ وهو تاريخ بلغ فيه التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل والمغرب ذروته.
في ذلك الوقت، كان المهدي بن بركة قائدا مؤثرا في المغرب والعالم العربي. بصفته يساريًا، دعا إلى الثورات والنضال ضد الاستعمار، وكان من أشد المعارضين للملك الحسن الثاني. في أوائل الستينيات، نُفي من المغرب، وحُكم عليه لاحقًا بالإعدام.
وفي مقال للكاتب يكال بين نون، يردّ فيه على صحيفة “يدعوت أحرنوت” بشأن اختطاف واغتيال المهدي بنبركة، يحكي أنّه “بعد وقوع الواقعة، اعترف مسؤول المخابرات حينها أحمد الدليمي لشومرون (مدير أول محطة للموساد في الرباط) بأن بن بركة مات بين ذراعيه.
وطبقاً لشومرون: “كان الدليمي يغمر رأس ضحيته في ماء حوض الاستحمام ليرى ما إذا كان لا يزال يتنفس. وبعد فترة، جلس رأس بن بركة طويلا في الماء دون أن يتنفس ومات اختناقا”.
وحسب شومرون، لم يستخدم الدليمي الأسلحة أو غيرها من الأشياء التي قدمها له الموساد، بناءً على طلبه. ويقول إن وفاة بن بركة كانت نتيجة الحماسة المفرطة من جانب الدليمي، وإن الجنرال محمد أوفقير لم يكن له دور في الأمر.
وبعد هذه العملية، طلب الحسن الثاني من أوفقير الذهاب إلى باريس لمعرفة تطورات القضية.
وفي النهاية، برأ القضاء الفرنسي الدليمي المسؤول عن قتل بن بركة، وحوكم أوفقير غيابيًا في السجن، ولم يكن متورطًا في اختطاف أو قتل بن بركة مدى الحياة من قبل هذه المحكمة نفسها.