وجه عبد الهادي بوطالب، المفكر والدبلوماسي ومستشار الحسن الثاني، رسالة مفتوحة، نشرتها جريدة “لوماتان” سنة 2003، إلى الرئيس الأسبق للجزائر عبد العزيز بوتفليقة حملت عنوان: “عتاب أخوي إلى صديق قديم”، يتساءل فيها الراحل عما فعله المغرب ليستحق هذا الجحود المؤلم، وهو الذي فعل الكثير لدعم الثورة الجزائرية.

وترى مؤسسة عبد الهادي بوطالب أن الرسالة التي وجهها عبد الهادي بوطالب إلى عبد العزيز بوتفليقة، “يمكن أن توجه إلى كل الرؤساء الجزائريين، للعودة إلى جادة الصواب، وإلى التعاون والتضامن. أما المناوشات السياسية أو الدبلوماسية أو العسكرية، فلن تخدم في شيء مصالح البلدين”.

كما تدعو المؤسسة، في مقال لها يستحضر رسالة الفقيد وصلاحيتها لكل الفترات الرئاسية المختلقة بالجزائر، الجزائر إلى نبذ المناورات اليائسة والمغامرات الطائشة، “وأن تنخرط بإيجابية في المسار الجديد الذي تعرفه قضية الصحراء المغربية، وأن تتجاوب مع مطامح الشعوب المغاربية، خاصة والشعب الجزائري كشف حراكه العام الماضي عن اهتماماته الحقيقية”.

وهذا نص المقال:

تطور إيجابي تعرفه قضية الصحراء المغربية بعد صدور المرسوم الرئاسي الأمريكي، الذي قضى بأثر فوري باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية. وفي هذا السياق، وكأول تجسيد لهذه الخطوة السيادية الهامة، قررت واشنطن فتح قنصلية بمدينة الداخلة لتشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة سكان الأقاليم الجنوبية.

لقد صدر القرار الرئاسي الأمريكي وعلى ضوئه أجريت اتصالات بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي، وزار المغرب بعد ذلك ديفيد شينكر، مساعد كاتب الدولة الأمريكي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث توجه إلى مدينة الداخلة رفقة وزير الخارجية المغربية لتدشين افتتاح القنصلية الأمريكية هناك في عاصمة وادي الذهب. وموازاة مع كل ذلك، اعتمدت الإدارة الأمريكية خريطة كاملة للمغرب تظهر سيادته على أقاليم الصحراء، وهو الإجراء الذي اتخذته إدارة الحلف الأطلسي.

ومن جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى موقف المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الأربعين، الذي جدد دعمه لوحدة المغرب الترابية بكل الوسائل والإمكانيات. وهو الموقف الذي سجلته الرباط، وسجلت معه ارتياحها للمصالحة الخليجية التي من شأنها أن تساهم في استتباب الأمن والاستقرار بمنطقة الخليج العربي.

ولدعم مبادرة الحكم الذاتي، فقد انعقد مؤخرا المؤتمر الوزاري المغربي الأمريكي لدعم هذه المبادرة تحت السيادة المغربية. وقد شاركت في هذا المؤتمر، عبر “الفيديو الكونفرنس”، حوالي 40 دولة، حيث شاركت فرنسا وغابت إسبانيا. في هذا المؤتمر، صرح وزير الخارجية المغربي بالقول إن المغرب لم يعد يقبل بازدواجية الموقف الأوروبي بشأن نزاع الصحراء المغربية، ففي الوقت الذي توجد فيه شراكات استراتيجية بين المملكة والاتحاد الأوروبي، وأساسا اتفاقية الصيد البحري واتفاقية الفلاحة، تشمل الأقاليم الجنوبية، يواصل هذا التكتل الأوروبي مسك العصا من الوسط بخصوص هذا النزاع الإقليمي، وعلى هذا الأساس دعا بوريطة دول الاتحاد الأوروبي للانخراط في الدينامية الدولية التي أطلقها الدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي.

وإذا أضفنا إلى هذه التحولات عدد القنصليات التي تم فتحها سواء بمدينة العيون أو الداخلة، فإن قضية الصحراء المغربية تعرف تطورات إيجابية سيكون لها أثرها البالغ في تسوية هذا النزاع الذي طال أمده، بسبب التعنت الجزائري وما تحيكه من مناورات ومؤامرات ضد المغرب. والواضح أنه رغم هذه التحولات والتطورات، فإن الجزائر مازالت تغرد خارج السرب، وتنفق ملايير الدولارات في المحافل الدولية لمعاكسة وحدتنا الترابية.

لقد بذل المغرب عددا من الجهود لتلتزم الجزائر بموقف الحياد، والتي تعاقب على حكمها عدد من الرؤساء، الذين لم يكن جلهم أحرارا في مواقفهم التي يتحكم فيها العسكر الجزائري.

ولقد خاب ظن المجتمع الدولي في الجزائر، حيث عبر العديد من الرؤساء والحكومات في العالم عن ذلك، ومن بينهم جاك شيراك، الرئيس الفرنسي الأسبق، الذي عبر للوفد المغربي الذي سبق وأن قدم له عرضا حول مشروع الحكم الذاتي قبل الإعلان عنه رسميا، عبر لهذا الوفد عن خيبة أمله من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان ينتظر منه بحكم تجربته الدبلوماسية، وارتباطه بالمغرب منذ الولادة إلى حرب التحرير الجزائرية، كان ينتظر منه أن يكون مساهما وفاعلا في حل هذا النزاع الإقليمي.

وليس الرئيس الفرنسي من خاب ظنه في بوتفليقة، بل خاب فيه ظن العديد من الوطنيين المغاربة، الذين شاركوا في دعم الثورة الجزائرية، كما خاب ظنهم في الهواري بومدين. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى خيبة الراحل الأستاذ عبد الهادي بوطالب في بوتفليقة، الذي وجه إليه رسالة مفتوحة، كانت قد نشرتها جريدة “لوماتان” سنة 2003 تحت عنوان: “عتاب أخوي إلى صديق قديم”، يتساءل فيه الفقيد عبد الهادي بوطالب عما فعله المغرب ليستحق هذا الجحود المؤلم، وهو الذي فعل الكثير لدعم الثورة الجزائرية.

لقد رحل عبد الهادي بوطالب ورحل الكثير من القادة التاريخيين، سواء في المغرب أو الجزائر، والسؤال ماذا ترك هؤلاء للأجيال الجديدة في كلا البلدين؟

إنه سؤال استراتيجي، لأن منطق الأخوة والجوار يفرض على الشعبين أن يعيشا في مناخ تسوده المحبة ويلفه الوئام والسلام، وكل ما يمهد الطريق ويعبدها لبلورة كل أشكال التعاون والتكامل والتضامن في مختلف المجالات؛ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهكذا، فإن الراحل عبد الهادي بوطالب في رسالته المفتوحة إلى عبد العزيز بوتفليقة يقول: “كفى كفى”؛ أي كفى من السياسات العدوانية وأن الوقت قد حان لقادة المغرب العربي لاستخلاص الدروس اللازمة لبناء الاتحاد المغاربي.

إن رسالة الأستاذ عبد الهادي بوطالب الموجهة إلى الرئيس الجزائري الأسبق بوتفليقة، هي امتداد لاهتماماته بقضايا المغرب العربي، حيث بالعودة إلى كتاباته في نهاية الخمسينيات في جريدة “الرأي العام”، نجد بأنه كان يخصص في كثير من الأحيان عموده اليومي للدفاع عن الثورة الجزائرية، وقد نشر بعضا من هذه المقالات في كتابه “هذه سبيلي” تحت عنوان “دفاعا عن الجزائر”.

كما أن هذه الرسالة امتداد لاهتمامه بموضوع الصحراء المغربية، التي كانت ضمن الاهتمامات المركزية للحركة الوطنية، حيث نجد في الكتاب المشار إليه والذي يتضمن مقالات الأستاذ عبد الهادي بوطالب في جريدة “الرأي العام” حول هذا الموضوع، تحت عنوان “دفاعا عن الصحراء”، وعن المناطق التي كانت محتلة من طرف الاستعمار الإسباني في الجنوب المغربي كمنطقة إفني وآيت باعمران.

في هذه المقالات حول الصحراء، تحدث الأستاذ عبد الهادي بوطالب عن الاهتمامات الأمريكية والفرنسية بهذه المنطقة، ويتساءل: “هل فكرت حكومة المغرب جديا في موضوع صحرائنا، ولا أعني تفكير المطالبة بإلحاقها بتراب الوطني الأكبر، بل أعني هل لها برنامج لفرض هذا الإلحاق وجعله حقيقة واقعية” (27 يونيو 1957).

اليوم، وبعد مرور أكثر من 60 سنة، يمكن القول إن الصحراء عادت إلى المغرب، وإنها تحولت خلال هذه العقود إلى مناطق تعرف تطورات تنموية متسارعة، صحراء اليوم ليست هي صحراء الأمس، ومن المنتظر أن تشهد من جديد استثمارات جديدة، خاصة الأمريكية منها، حيث من المنتظر أن تتحول الصحراء إلى “منصة” لتوسيع هذه الاستثمارات نحو القارة الأفريقية.

وبالنظر إلى ذلك، يمكن القول إنه موازاة مع البعد السياسي الذي يحكم العلاقات الأمريكية المغربية، يحضر اليوم البعد الاقتصادي الذي من شأنه أن يفتح شهية العديد من البلدان الأوروبية، التي ما زالت تتردد، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية المغربية، في الانخراط في مشروع الحكم الذاتي رغم الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي.

إذن الرسالة التي وجهها الأستاذ عبد الهادي بوطالب إلى عبد العزيز بوتفليقة، يمكن أن توجه إلى كل الرؤساء الجزائريين، للعودة إلى جادة الصواب، وإلى التعاون والتضامن. أما المناوشات السياسية أو الدبلوماسية أو العسكرية، فلن تخدم في شيء مصالح البلدين. لهذا على الجزائر أن تنبذ المناورات اليائسة والمغامرات الطائشة، وأن تنخرط بإيجابية في المسار الجديد الذي تعرفه قضية الصحراء المغربية، وأن تتجاوب مع مطامح الشعوب المغاربية، خاصة والشعب الجزائري كشف حراكه العام الماضي عن اهتماماته الحقيقية.

hespress.com