عن دار الأمان، صدر في كتاب جديد تحقيقُ محاضرتين للشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي، دعا فيهما، زمن استعمار المغرب، إلى إصلاح التعليم، وتعليم الفتيات، معتبرا القول بتحريم تهذيبهنّ “من مظاهر التخلف الذي آل إليه واقع المسلمين”.

وأعدّ هذا التحقيق وقدّمه الباحث إبراهيم بوحولين، وعنونه بـ”محاضرتان في إصلاح التعليم”، وضمّن صفحاته الـ 179 نصين محقَّقَين هما: “محاضرة في إصلاح التعليم العربي”، و”المحاضرة الرباطية في إصلاح تعليم الفتيات بالديار المغربية”.

ووضع الحجوي في المحاضرة الأولى المحقّقة “برنامجا تطبيقيا لكيفية تدريس العلوم الشرعية والعربية في القرويين”، ونادى في الثانية بضرورة تدريس المرأة المغربية وتهذيبها، “مؤصّلا لذلك من القرآن والسنة القولية والعملية، وعمل السلف أيام مجد الحضارة الإسلامية”.

وفي مطلع الكتاب الجديد يورد الباحث ما كتبه الفقيه التونسي الطاهر ابن عاشور صاحب “التحرير والتنوير”، في تقريظِه كتابَ الحجوي “الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي”: “ومِن أبهَر الكواكب التي أسفر عنها أفقنا الغربي في العصر الحاضر، وكان مصداق قول المثل: ‘كم تركَ الأوّل للآخِر’، الأستاذ الجليل والعلامة النبيل، وصاحب الرأي الأصيل، الشيخ محمد الحجوي؛ المستشار الوزيري في العلوم الإسلامية بالدولة المغربية؛ فلقد مد للعِلم بيض الأيادي، بتآليفه التي صار ذكرها في كل ناد”.

ومحمد بن الحسن الحجوي، وفق الترجمة التي أوردها المحقّق، فقيه، بدأ بإلقاء دروسٍ في القرويين، وتعاطى التأليف، وبعض التجارة في أوقات الفراغ، ودرّس بفاس والرباط ومراكش، وتقلّب في كثيرٍ من الوظائف الإدارية والسياسية، فوُظّف عدلا في دار المخزن بمكناس، وصار أمينا لديوانَة وجدة على الحدود المغربية الجزائرية، ثم نائبا عن وزير المالية في أمور الجيش، ثم نائب الملك في الحدود، حيث كان المسؤول عن تنظيم الجيش لحراسة الحدود، ثم سفيرا للمغرب في الجزائر.

كما عُيّن الحجوي، حَسَبَ المصدر نفسه، نائبا للصدر الأعظم في وزارة العلوم والمعارف، ليبدأ مشروعه في إصلاح التعليم بإنشاء مدارس ابتدائية في الحواضر والبوادي، وأسس بمعية أعضاء آخرين مجلسا لإصلاح التعليم بالقرويين، وتوفي سنة 1956، في سنته 85 بدنيا الناس.

ويكتب المُحَقِّق أنه يسعى في عمله هذا إلى “كشف المُغَطّى عن تراث الإمام الحجوي الذي مازال أغلبه يشكو الهجران في الخزانة العامة بالرباط”، علما أنه ترك “تراثا ضخما”، يزيد عن خمسين كتابا، تصدّى فيها لمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية التي كانت محلّ نقاش ونظر، “فكان بحق من كبار مؤسِّسي الحركة الإصلاحية الوطنية في المغرب الحديث”.

والمحاضرتان، وفق محققهما: “آراء فقهية تؤصّل لحاجة الأمة إلى الاجتهاد لتجديد الدين في النفوس وفي المجتمع”، وتذكر ألا سبيل لذلك “إلا باستصلاح المعرفة الشرعية والعربية” من أجل “الترقي وتحقيق النهوض الحضاري المنشود”، وهو ما لَن يتم إلا “بإقرائها وتقريرها في نفوس الناشئة”، ما جعله يضع برامج تطبيقية للوصول إلى هذا المقصد.

ويذكر الكتاب أن الحجوي “كان يذهب إلى أن التعليم في العقود الأولى من القرن العشرين مازال على النسق القديم، والحال أن تغيّر الزّمان وفساد اللغة يوجب تغيير أسلوب التعليم”، لأنه يجب أن يساير حركية المجتمع والتاريخ. ويقدم الفَقيه مثالا على هذا بأساليب علاج الأبدان التي طرأ تغيير كبير على طرائقها، رغم اعتقاد المتقدِّمين ألا شيء يعلو فوقها، وهو ما ينبغي أن يمتد إلى “أساليب علاج داء الجهل”.

وتنبّه الحجوي مبكرا إلى ضرورة تدريس اللغات الحية، والعلوم العصرية، مثل الرياضيات والطبيعيات، وتربية الملكات النّفسانيّة، للترقية من فهم التلميذ وحفظه وفكره، وانتقد هدر الأوقات الكثير الذي يجعل الطالب لا يتخرج من القرويين إلا وعمره ثلاثون سنة، ودعا إلى الاستفادة من كيفيات التدريس عند الأوروبيين الذين اهتدوا لاختصار طريق التعليم، وكتبوا في كيفية ذلك.

كما دعا الفَقيه المغربي إلى تخصيص أوقات للراحة والرياضة، وتنظيم الكتاتيب، وتأليف كتب علمية مدرسية، وانتقد عدم سعي المعلّمين إلى توليد الفكر والحذق في ذهن المتعلّم، واكتفاءَهم بالتحفيظ، في النحو أو غيره من العلوم، وعدم التوجيه إلى الفكر والنّظر.

وينتقد الحجوي، وفق الكتاب، ما ذهبت إليه “نخبة المجتمع المغربي، في الربع الأول من القرن 20، من عدم القبول بتعليم البنات المغربيات”، واعتبر أن هذا الموقف “لا يمُتّ إلى الدين الإسلامي بصلة”، وأصل لوجوب تعليمهن من النصوص المؤسسة للمعرفة الإسلامية، ومن التطبيق العملي لهذه النصوص في التاريخ الإسلامي، “انطلاقا من الزمن النبوي إلى ما اعتبره عصور الانحطاط”.

ومن بين ما كتبه الحجوي، في النص المحقَّق، أن “من المعلوم أن تأخّر النساء مانع من تقدّم الأمة، ولهذا سبق الإسلام إلى تعليمهنّ وتهذيبهنّ واعتبارهنّ عضوا كاملا في الهيئة الاجتماعية”، مضيفا: “النساء كانت لهن جامعة ورابطة دينية تجمعهنّ على الدفاع عن حقوقهنّ، وهذا شيء لَم يكن للأمم قبل الإسلام؛ فالإسلام أوّل دين اعتبر المرأة وأعطاها حقوقها المهضومة، وأحلها محلها الذي تستحقه”.

وفي ختام محاضرته الثانية المحقّقة، قال الحجوي في معرض دفاعه عن ضرورة تدريس المرأة المغربية: “وكيف ينهض إنسانٌ سقَط شقّه ومات نصفُه؟ فلا بُدّ لنا أن نرجع إلى ما كان عليه سلفنا، ونسترجع ما فقدناه من أصولنا”.

hespress.com