شهد المغرب الحديث سلسلة من المعارك العسكرية الرامية إلى تحرير الثغور المحتلة، لعل أبرزها الحصار الذي قاده السلطان العلوي المولى اسماعيل على سبتة المحتلة لما يفوق ستّا وعشرين سنة، وكذا تحركات السلطان محمد بن عبد الله بن المولى اسماعيل لحصار مليلية لولا عقد الصلح الذي جمعه بالإسبّان حينذاك.

وأمل السلطان اسماعيل أن يحرر كل شبر من رقعة المغرب، فكان في حسابه سبتة التي حاصرها حصارا مستميتا، وبنى على حدودها رباطا للتضييق على مغتصبيها، استمر به “المجاهدون المرابطون” أزيد من ست وعشرين سنة، تخللتها مناوشات متتابعة.

ويحكي المؤرخ محمد بن تاويت، ضمن مؤلّفه “تاريخ سبتة”، عن حيثيات الحصار سالف الذكر، لكن المرابطين لم يتمكنوا من تحرير المدينة الأسيرة من ربقة أسرها، لأن الإسبان كانوا يزودونها بالسلاح والعتاد من المضيق التي يسيطرون عليها، ثم توفي المولى اسماعيل، بينما ما زال المرابطون على رباطهم وصدق عزمهم.

وأدى الحصار البرّي، وفق المؤرخ المغربي، إلى نشوب معارك ميدانية “شرسة” بين الطرفين، بدأت بتجهيز الملك فيليب الخامس حملة سرية تتألف من ستة عشر ألف جندي لتهاجم الجيش المغربي المحاصر، وتحطم حصونه، وتجعله مضطرا إلى الانسحاب من المواقع الخلفية.

واحتشد الجيش بسبتة أواخر أكتوبر 1720، ليقوم بمهاجمة معسكر السلطان اسماعيل في الخامس عشر من نونبر، فحصلت معركة عنيفة انتهت باحتلال مواقع استراتيجية كان يحتلها الجيش المغربي. ولم تمض سوى بضعة أيام حتى كبّدت قوات “الإيالة الشريفة” الجيش الإسباني خسائر فادحة في العتاد والأرواح.

وممّا ساهم في إضعاف خطة الحصار، افتقار المغرب إلى الأساطيل البحرية القوية التي كان يملكها في العهد المريني، لكنه لم يسترجعها بتلك القوة في العهد السعدي، ولا في أوائل العهد العلوي. لذلك، طلب المولى اسماعيل من إنجلترا إمداده بأساطيل بحرية تساند المعدات البرية التي لم تفلح في تحرير ثغر سبتة.

هكذا، كان الحصار شديداً على الثغر المحتل، استعمل فيه السلطان شتى الوسائل غير أنه لم يفلح في تحريرها إلى أن توفي سنة 1139، تبعا للمؤرخ عينه الذي أشار إلى فك الحصار عن سبتة بعد التطاحنات الداخلية التي برزت بين الأبناء للاستيلاء على الحكم.

وكادت “الإيالة الشريفة” بعدها أن تحرر ثغر مليلية لولا مناورات الدبلوماسية الإسبانية في عهد السلطان محمد بن عبد الله، الذي قام بغزو المدينة المحتلة، فأحاطت عساكره بها، ونَصب عليها المدافع، وشرع في رميها سنة 1185 هجرية، ثم استمر على ذلك أياما عديدة.

وبشأن ذلك، يروي المؤرخ أحمد بن خالد الناصري، عبر كتابه المعنون بـ” الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى”، أن الدبلوماسية الإسبانية احتجت بعقد الصلح الذي أبرم بين المغرب وبينها على يد سفير السلطان (أحمد الغزال)، فكفّ عن حصارها بعد اطلاعه على الوثيقة التي وجد الصلح فيها.

واعتقد السلطان محمد بن عبد الله أن المهادنة مع الجانب الإسباني تهمّ البحر فقط، فيما لا مهادنة في المدن الواقعة بـ”الإيالة الشريفة”، غير أن عقد الصلح يشمل البحر والبر، ليفرج بعدها عن الأسرى، ويترك جميع آلات الحرب، حيث اشترط على المملكة الإيبيرية حملها في البحر وردها إلى الثغور التي جلبت منها.

hespress.com