للوصول إلى قمة الانتشاء الروحي في أغانيهم “المزلزلة” التي تدور حول “الحال” و”المهموم”، كان لا بد من البحث عن “جذوة” اللحن المفقود، ذلك “المارد” الخارج من عوالم تبتدعها آلات بسيطة مصنوعة من جلد “الماعز”، كان الأمر شبيها بتحضير الأرواح لمّا تمتزج الصرخات المبحوحة لأفراد مجموعة ناس الغيوان بالآهات الموسيقية المتحررة من كل سطوة عابرة.

قبل أي لقاء مع الجمهور، كان أفراد “الغيوان” يجتمعون في منزل وسط مدينة الدار البيضاء، لاختيار المقطوعات الغنائية التي ستُلقى أوّلاً، وكذا طقوس الحفل، بالإضافة إلى إجراء تدريبات قبلية، عفوية لكنها بدرجة كبيرة من الإتقان والإحكام.

يحكي سعيد محافظ، مرافق المجموعة في سنوات السبعينات والثمانينات، قائلا: “كانت لناس الغيوان طقوس خاصة في تحضير الإيقاع الموسيقي، وهذا لا يعلمه إلا القليل؛ إلا الذين كانوا في الكواليس ويتمتّعون بقوة الملاحظة”، مبرزا أن “العربي باطما كان يُفضّل طام طام المغلّف بجلد الجمل، وهذا النّوع لا يحتاج كثيرا من التسخين”.

وفي دردشة رمضانية مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أورد محافظ الذي أصدر كتابا جديدا حول الظاهرة الغيوانية أن “هذا النوع من الجلد كان مكلفا للغاية، بينما هناك نوع آخر أقل تكلفة هو جلد الماعز الذي كان يحتاج لكثير من التسخين وغير مكلف ماديا”، وفق تعبيره.

وأبرز محافظ أن “العربي باطما كان يحرص على تسخين طام طام بدرجة لا تصبح كما تُعزف عيساوة، وإذا تمادى أخونا هبرات ابراهيم (مرافق خاص للغيوان) في تسخين طام طام، يلوّح العربي بيده بغضب، ويطلب منه إحضار القليل من الماء ويمرره على الجلد لتعود طام طام إلى سابق عهدها، هكذا كان العربي حريصا على ضبط الإيقاع”.

“كيف يُعقل أن تحرك جمهور ملعب كرة القدم بطام طام وبندير فقط؟”، يتساءل محافظ في رصده لقوّة الإيقاع الغيواني وجذبه، موردا أنه “في بداية الثمانينات، كانت إحدى السهرات في مدينة السعيدية، ولما كان الغيوان يستعدّون لإلقاء أغنية غير خذوني التي غالبا ما يختمون بها السهرة، طلب باطما من أحد المساعدين أن يقوم بتسخين طام طام، غير أن الآلة وهي وفي طريقها إليه سقطت وانكسرت”.

وأضاف محافظ أن “العربي وضع طام طام في إطارها الحديدي وأكمل السّهرة بنجاح كبير”، مبرزا أنّ “أحد الأساتذة في إحدى المحاضرات قال (لما يلتقي جلد الإنسان مع جلد الحيوان يحدث إيقاعا رائعا)، وساعتها سرحت مخيلتي بعيدا وتذكرت بنادر عمر السيد، وتذكرت العرق الذي كان يتصبب منه وتذكرت طام طام”.

وعن إصداره الجديد، قال الكاتب: “هي رسالة إلى عشاق الغيوان الذي أنا واحد منهم، حاولت فقط توضيح بعض الأشياء الغامضة التي كانت في الكواليس، وحاولت تقريب أفراد ناس الغيوان على طبيعتهم باعتبارهم أناسا متواضعين رغم ما كانوا يعيشونه من شهرة وحب الناس. وكذلك رسالتي أيضا إلى بعض الذين يحكون الخرافات عن ناس الغيوان مع أني لم أراهم يوما في الكواليس مثلا”.

hespress.com