جريتا غاربو (1905-1990) ممثلة أمريكية / سويدية حصلت على تقدير دولي كبير بفضل العديد من الأفلام السينمائية التي جعلت منها أسطورة حقيقية للفن السابع. “المرأة التي لا تضحك” أو “الإلهة” من بين الأسماء التي تلقتها جريتا غاربو بسبب الطبيعة الجادة التي ميزتها وصفاتها العظيمة في الأعمال الدرامية.

شاركت غاربو في حوالي ثلاثين فيلمًا طوال مسيرتها الفنية التي استمرت حوالي عشرين عامًا، اعتزلت التمثيل عام 1941 بشكل مفاجئ وأمضت بقية حياتها شبه منعزلة مع اللغز نفسه الذي لم ترغب في الإفصاح عنه؛ وتوفيت عن عمر ناهز 84 عامًا في 15 أبريل 1990 متأثرة بمتلازمة الكلى والالتهاب الرئوي، تاركة خلفها مقولتها الشهيرة: “ستكون الحياة رائعة جدًا إذا عرفنا فقط ماذا نفعل بها”.

جريتا غاربو ابنة عامل النظافة

هناك شبه كبير بين الممثلة بينيلوبي كروز التي تنحدر من عائلة متواضعة و”بينيلوبي ابنة مصفف الشعر” وقد تمكنت من تحقيق شهرة كاسحة وتحقيق حلمها الخاص بأن تكون فنانة.

تنطبق هذه المقارنة أيضًا على حالة غريتا لوفيسا غوستافسون أو جريتا غاربو كما نعرفها جميعًا، حيث كانت ابنة عامل تنظيف، وأمها هي آنا لوفيسا، فلاحة تعمل في مصنع مربّى.

ولدت جريتا عام 1905 في ستوكهولم بالسويد، واتسمت حياتها بعد وفاة والدها بشكل مبكر بالتقلب، ما دفعها إلى التخلي عن دراستها وتكريس نفسها لوظائف مختلفة حتى أصبحت عارضة أزياء في متجر متعدد الأقسام؛ كان هذا هو الدافع الذي احتاجته لإدراك أنه مقدر لها أن تكون ممثلة.. أخذت دروسًا في أكاديمية التمثيل حين اكتشفها المخرج إريك بيتشر الذي ظهرت معه لأول مرة في فيلمها الأول، ثم عملت مع المخرج موريتز ستيلر في عدة مناسبات؛ كان هذا هو المخرج الذي اقترح عليها تغيير اسمها وكذلك أسلوبها.. وكان أول ظهور لها في أمريكا الشمالية مع فيلم “السيل” عندما اكتشفتها شركة مترو غولدين مايير.

لعبت الممثلة دور البطولة في العديد من الأفلام السينمائية الصامتة حتى عام 1930، عندما ظهرت في فيلم “آنا كريستي” (Anna Christie)، وهو الفيلم الناطق، الذي كان له تأثير كبير في ذلك الوقت بسماع صوتها العذب لتظهر بعد ذلك نجمة عملاقة من بقايا الأفلام الصامتة.

على الرغم من وفاة الممثلة عام 1990 إلا أنها اعتزلت قبل الأوان عام 1941، لكنها تركت لنا إرثًا من العديد من الأفلام التي ستبقى إلى الأبد في تاريخ السينما وفي ذاكرتنا، مرددة: “مواهبي تقع ضمن حدود محددة. أنا لست ممثلة متنوعة كما يعتقد بعض الناس”.

فيلم “الفندق الكبير” (المخرج إدموند جولدينج، 1932)

يبرز الفيلم مجموعة متنوعة من الشخصيات والقصص التي يتم سردها في وقت واحد، حيث تتنافس غاربو مع نجمة من نجوم السينما هي جوان كروفورد.

تنطلق أحداث الفيلم من فندق في برلين بقصص العديد من الشخصيات التي تلتقي أو لا تلتقي، ولكن دائمًا ما يكون لديها شيء ما يربطها بطريقة ما. أرستقراطي مفلس، عامل أمين، يستمتع بآخر أيام حياته، ورجل أعمال عديم الضمير وراقصة باليه هي غاربو، تبدو حزينة وخائبة الأمل دون أن يعرف المشاهد سبب ذلك. الفيلم عبارة عن نقد في خضم الاكتئاب للأخلاق البشرية.. يتضح من شخصيات الفيلم أن حياتها تبدو عبثية. الحياة أو الموت يتبعان بعضهما البعض ببساطة كشيء غير مهم؛ كأن الفيلم تعبير عن مقولتها: “أي شخص لديه ابتسامة مستمرة على وجهه يخفي قسوة تكاد تكون مرعبة”.

فيلم “ملكة السويد كريستينا” (المخرج روبن ماموليان، 1933)

تجسد شخصية ملكة السويد كريستنا التي تلعبها جريتا غاربو، وهي قريبة من شخصيتها حقًا كامرأة تتسم بالعزم والشجاعة وباللطف، وفوق كل شيء هي جذابة وفاتنة مع ذلك المخنث الذي جعلها أكثر إثارة للاهتمام.

يحكي الفيلم قصة الملكة كريستينا التي أعلنت ملكة عندما كان عمرها ست سنوات فقط بعد وفاة والدها جوستافو أدولفو.. عندما كبرت روحها الحالمة بنزعة ثقافية ورومانسية ابتعدت عن مطالب البلاط منذ أن أجبرت على الزواج من رجل لا تحبه.

يعتبر هذا الدور من الأدوار المميزة لها، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى المخرج ماموليان واللقطات القريبة التي قدم بها الشخصية الرئيسية. بالإضافة إلى ذلك فإن الجو الرومانسي والباروكي للفيلم والمجموعات التي تشبه الحلم أمور مثيرة للإعجاب.

السفر البطيء للمشهد الأخير مع بطلة الفيلم مسافرة إلى إسبانيا في مقدمة السفينة وخلفها البحر من أروع الصور في تاريخ التصوير السينمائي.

ماتا هاري (المخرج جورج فيتزموريس، 1931)

يحكي الفيلم قصة الجاسوسة الشهيرة ماتا هاري، من داء جريتا غاربو المتهمة بالتجسس بين فرنسا وألمانيا، والتي حكم عليها بالإعدام في باريس من قبل الفرنسيين مع قليل من الأدلة المادية في محاكمتها السريعة. وعلى الرغم من أن الفيلم لا يتعمق في حياة ماتا هاري الممتعة والدرامية بشكل كبير، إلا أنه يقدم شخصية ذات قوة وحضور كبيرين. يمتاز هذا الفيلم ببلاغة التصوير الفوتوغرافي، إذ يمجد الشخصيات بلقطات قريبة تبرز عظمتها وعوالمها.

تم عرض الفيلم لأول مرة بعد 15 عامًا من وفاة ماتا هاري، وكل الأحداث تجري في باريس في سياق الحرب العالمية الأولى (1915-1917). وتظهر ماتا هاري المليئة بالإثارة والقدرة على الإغواء بحضور متنوع في أكثر من شخصية تترك أثرا عميقا على المتفرج وكأنها لها رغبة في القول: “أود أن أكون قوية بشكل خارق للطبيعة لتصحيح كل ما هو خطأ”.

آنا كارنينا (المخرج كلارنس براون، 1935)

إنه الفيلم الأكثر أهمية والأفضل إنجازًا من بين العديد من التعديلات على رواية ليون تولستوي المهيبة. على الرغم من أن طاقم الشخصيات والقصص في الرواية أكثر شمولاً، إلا أن الفيلم يركز على البطلة آنا كارنينا في قصة حب، ولكنها أيضًا قصة رغبة محمومة، عن عواطف إنسانة بين العواطف الملتهبة والوحدة وبين الشعور بالذنب والأخلاق والمشاعر العابرة. تدور أحداث الفيلم في سان بطرسبرغ الروسية. منح هذا الفيلم جريتا غاربو وضعا اعتباريا داخل السينما وهي تقتحم الملاحم الأدبية. كأن الفيلم تجسيد لقولة كينيث تينان عن غاربو: “ما تراه في امرأة أخرى عندما تكون في حالة سكر تراه في غاربو عندما تكون مستيقظا”.

نينوتشكا (المخرج إرنست لوبيتش، 1939)

إذا كنت تعلم أن بيلي وايلدر هو أحد كتاب السيناريو المرموقين فلا داعي للخوف من تحقيق فرجة جيدة، وهو يفعل ذلك بمزج قصة مضحكة بروح الدعابة. يحكي الفيلم قصة ثلاثة مبعوثين سوفيات في زيارتهم لباريس لبيع المجوهرات التي تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية الروسية القديمة، ولكنهم يجدون أنفسهم أمام عقبة المالكة السابقة – الدوقة الكبرى سوانا – التي تريد استعادة مجوهراتها. تتعقد حبكة الفيلم عندما تظهر نينوتشكا (غريتا غاربو)، وهي الممثلة القوية للإدارة الروسية على الساحة ويتم إرسالها إلى باريس لاستعادة الجواهر والمبعوثين الثلاثة الذين ليسوا في عجلة من أمرهم للعودة إلى موسكو، ومتحمسون بشأن زخم المدينة والحياة الرأسمالية.. ولكن ماذا سيحدث لنينوتشكا، هل ستنجذب هي أيضًا إلى حياة باريس دون الالتزام بالكثير من القواعد الصارمة؟.

تُعرف جريتا غاربو بـ “الإلهة”، كانت حياتها غامضة دائمًا ولغزا محيرا سواء داخل السينما أو خارجها حتى أُطلق عليها اسم “الغامضة”، مرددة: “هناك أشياء كثيرة في القلب لا يمكن أن يقولها شخص آخر، إنها أفراحك وأحزانك الخاصة.. إنك تُبخِس نفسك وداخلك عندما تقولها”. امرأة فريدة في تاريخ السينما لا نعرف الكثير عنها وعن علاقتها مع النجمة مارلين ديتريش، ولكن قصتها تجعلها على مر السنين خالدة، إذ سعى مخرجون وكتاب إلى تناولها في شكل روايات أدبية وأفلام سينمائية عن سيرة عن حياتها…

hespress.com