يشهد المستشفى الإقليمي المختار السوسي في مدينة بيوكرى ضغطا كبيرا على مختلف الخدمات الصحية التي توفرها هذه المؤسسة الاستشفائية، إذ تقصده ساكنة قادمة من مختلف مناطق الإقليم مترامي الأطراف والمدن المجاورة. وأضحت مشاهد الطوابير الطويلة أمام قسم المستعجلات وأمام المصالح الأخرى مشاهد تؤثث المنظر العام اليومي داخل هذا المستشفى، إذ لن يجد الزائر كثير عناء في الكشف عن الطلب الكبير على الخدمات الصحية.
من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية تتكون الكتلة البشرية التي تتوق إلى نيل خدمات صحية تطبعها الجودة والسرعة في تلقي الفحوصات والعلاجات والاستشارات الطبية أو حتى بعض التدخلات الجراحية. كتلة بشرية، غالبيتها، على ما يبدو، من الفئات التي ينخرها العوز والفقر، لا ملجأ لمرضاها إلا هذا المستشفى العمومي، إذ يأملون أن ينالهم الحظ لفرملة رحلة العلاج هنا، من غير مطالبتهم بالبحث عن جرعة التداوي في مكان آخر.
في منتصف تسعينيات القرن الماضي، تعزز العرض الصحي بإقليم اشتوكة آيت باها بمستشفى إقليمي “مستشفى المختار السوسي”، جاء كاستجابة لحاجات ملحة في قطاع الصحة، وفي ظروف تتسم بارتفاع الطلب على الخدمات الصحية، في ظل طفرة ديمغرافية يشهدها الإقليم، وكان كذلك أيضا من أجل تقليص مدة رحلات العلاج بالنسبة إلى الساكنة القابعة في عمق جبال الإقليم؛ لكن غياب مصلحة للإنعاش بهذا المرفق جعل المولود غير مكتمل، وتعثرت معه آمال الحالمين بخدمات طبية كاملة، وأفرغ الأهداف من محتواها.
عبد السلام موماد، عن المركز المغربي لحقوق الإنسان باشتوكة آيت باها، اعتبر أن “المستشفى الإقليمي المختار السوسي ظل لسنوات طويلة بدون مصلحة للإنعاش، أضف إلى ذلك غياب توسيع وتهيئة قسم المستعجلات؛ وهي من المطالب الملحة لمختلف الفاعلين والساكنة، بسبب عدد من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي يشهدها إقليم اشتوكة آيت باها التي تستوجب وبكل إلحاح الالتفات لحلحلة هذا الملف بكل جدية وسرعة”.
وتابع الفاعل الحقوقي ذاته، ضمن حديث مع هسبريس، أن “اشتوكة آيت باها يعد الرئة الفلاحية للمغرب، ويستقطب استثمارات ضخمة في المجال الزراعي، ومعها عشرات الآلاف من اليد العاملة من كل مناطق المغرب. كما تخترقه أزيد من 40 كيلومترا من الطريق الوطنية رقم 1، ويتوفر على محطة لتحلية مياه البحر، حظيت بشرف الزيارة الملكية، إلى جانب أسطول مهم من الشاحنات والسيارات وعربات نقل العاملات والعمال الزراعيين، ناهيك عن حوادث لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وغير ذاك من المعطيات التي تسائل غياب مصلحة الإنعاش”.
“فقدنا عشرات الضحايا من العمال والعاملات الزراعيات بالمدار السقوي، ومثيلها في حوادث السير المختلفة، وأخرى بعد عمليات قيصرية، وضحايا للدغات الأفاعي وغيرها، أمراض مرتبطة بالنشاط الفلاحي، وأغلب تلك الحالات خلال نقلهم إلى المدن الأخرى، بسبب انعدام مصلحة الإنعاش والعناية المركزة بمستشفى بيوكرى، فقدت الأرواح بين التضاريس الوعرة بالجبال وبين الطرقات السهلية الغاصة والمكتظة بالعربات، وكان بالإمكان إنقاذ عدد من الأرواح لو توفر الإقليم على تلك المصلحة”، يقول عبد السلام موماد.
واستنادا إلى بعض المعطيات التقريبية التي حصلت عليها هسبريس، فالوضع في المستشفى الإقليمي المختار السوسي ببيوكرى ينذر بكارثة، حيث إنه وأمام نزيف “إفراغ” المستشفى من عدد من التخصصات الطبية، بسبب إقدام طبيبات وأطباء على وضع استقالاتهن “احتجاجا على ظروف العمل”، أبرزها غياب مصلحة الإنعاش، أمام ذلك، يستمر أطباء وممرضون وأطر إدارية في المستعجلات ومصالح أخرى، وباستماتة، لتوفير أدنى شروط العلاج للفئات الهشة، وتقليص مدة رحلة العلاج وتكلفته، لا سيما للنساء الحوامل.
وفي هذا الإطار، يضيف عبد السلام موماد، أن “الوضع غير مقبول البتة، وسبق أن نفذت أشكال احتجاجية للتنبيه إلى خطورة الأمر، فاسترخاص حياة المواطن مرفوض، فحلم الجميع هو تطوير العرض الصحي بهذه المؤسسة الصحية؛ فلا يعقل أن يتم تخصيص ميزانية ضخمة تناهز المليارين من السنتيمات من طرف مختلف المتدخلين، وتتم عرقلة المشروع من جهات، أتغاضى عن تسميتها، هدفها إنعاش خزينة القطاع الخاص، في الوقت الذي لا يأبهون لصحة المواطن الفقير، الذي يموت موتا بطيئا تحت رحمة غياب مصالح استشفائية قريبة منه، أبرزها العناية المركزة والإنعاش”.
ومن أجل نيل رأي الجهات المسؤولة حول الموضوع، ربطنا الاتصال بالدكتور رشدي قدار، المدير الجهوي للصحة بسوس ماسة، حيث أحالنا على الدكتور خالد الريفي، المندوب الإقليمي لوزارة الصحة باشتوكة آيت باها، الذي اتصلنا به وأخبرناه، عبر رسالة نصية قصيرة، تأكد توصله بها، بموضوع الاتصال؛ غير أنه لم يرد على اتصالاتنا.