تعتبر نوادي الرياضة والمركبات السوسيو- ثقافية مرافق اجتماعية لبناء إنسان يمتلك وعيا وأدوات للنقد واستقلالا فكريا. كما تتيح الفرصة للشباب لبناء أجساد سليمة، وتكسبهم التفاعل الاجتماعي، وتنمي قدراتهم، وتزرع القيم الاجتماعية النبيلة فيهم.

وفي غياب هذه المرافق يواجه الأطفال والشباب المجهول ومستنقع التطرف كأحد المآلات التي تتصيدهم، فيقعون في حبائل الانحراف بكافة أشكاله، كالمخدرات والتنظيمات الإرهابية المتشددة والجهات المتطرفة، وهو ما عرفته عدة دواوير بعمالة مراكش.

ثراء وفقر ثقافي وفني

جماعة تسلطانت، التي توجد بالمجال الترابي لعمالة مراكش، تعتبر من أغنى الجماعات بهذا الإقليم، إلى جانب مقاطعة النخيل، لكنها تفتقر إلى ملاعب القرب والمركبات السوسيو -ثقافية، وهو ما يجعل الأطفال والمراهقين والشباب أمام فراغ ثقافي وفني ورياضي فظيع، حسب تصريحات من استقت هسبريس آراءهم.

رئيس جمعية “النهضة”، عبد الكريم الدينامو، أكد أن “نداءات عدة وجهت إلى المسؤولين للنهوض بالتنمية المحلية، خصوصا بدوار النزالة، لكننا لم نجد، للأسف، آذانا صاغية لمطالبنا”، مضيفا أن “الملعب الرياضي اليتيم المهمل، الذي يوجد بتجمعنا السكني، يحتاج إلى تهيئة تجعله صالحا لممارسة الشباب المنسيين للأنشطة الرياضية، لإبراز ما بدواخلهم من طاقات”.

وقال الفاعل الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، إن “هذه الجماعة التي تتوفر على فائض مهم، تفتقر إلى المرافق الثقافية والفنية والرياضية، التي ستحمي شبابها وأطفالها من الارتماء في دائرة الانحراف بكل أشكاله، مما جعل دواويرنا تغزوها المخدرات والسرقة الموصوفة التي تعيّر بها منطقتنا”.

فيما أكد يوسف العكرمي، رئيس جمعية “جسور”، أن غالبية الجمعيات، التي يفوق عددها 800 جمعية، تهتم بماء الشرب، مضيفا أن “هذا التوجه الذي يعنى بالحجر بدل البشر أبان عن فشله لأن الأنشطة المنظمة من طرف هذه الجمعيات تعد على رؤوس الأصابع”.

وصرح العكرمي لهسبريس قائلا: “يطرح الفرق الشاسع بين هذا العدد من الجمعيات التي تملك موارد مالية مهمة، مقابل ضعف في الأنشطة الثقافية والفنية، سؤالا حول مدى عناية الجماعة بهذا القطاع، بدل الانغماس في الجانب الخدماتي، مضيفا “حتى جمعيات الآباء استنزفت في تجديد المصابيح المحروقة وإصلاح الصنابير المكسورة، بدل القيام بالتنشيط الثقافي والفني”.

ويروي الناشط الجمعوي ذاته أن “جمعية للآباء بمؤسسة تعليمية بسيدي موسى حاولت، سنة 2011، تكسير هذا الجمود، فسطرت مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والتضامنية بمناسبة الأعياد الوطنية، ونظمت قوافل طبية، لكن رد فعل المسؤولين المحليين كان هو التضييق عليها ومحاربتها، لأنها أخذت مسافة الأمان من الأحزاب السياسية”.

وأضاف “لا وجود لقسم الشؤون الثقافية بالمجلس الجماعي على أرض الواقع، فالجماعة فقيرة من حيث الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية. والنتيجة، مع كامل الأسف، ظاهرة للعيان: هدر مدرسي، وعطالة مستشرية، وتعاطٍ مهول للمخدرات والمهلوسات، إضافة إلى انتشار الإجرام وسط الأطفال والشباب”.

من جهته، أوضح حسن بوحموش، شاب من أقصى نقطة في جماعة تسلطانت، أن المنطقة غنية، بها فنادق مصنفة ودور للضيافة تستقطب عددا كبيرا من السياح الأجانب، إضافة إلى ضيعات فلاحية. لكن معظم سكانها شباب بحاجة إلى مرافق رياضية تحميهم وتصقل مواهبهم، لكنها مجرد مشاريع مستقبلية طال انتظارها”.

ويضيف بوحموش “حاليا لا شيء يذكر، فأندية كرة القدم تستقبل مبارياتها في ملعب لا يستوفي شروط عصبة الجنوب، لأن هذا الملعب مجرد مرفق رياضي، أنجز بمجهود أبناء المنطقة على أرض عارية، أما الجماعة فقد شيعنا نعشها منذ زمان”، مستدلا على كلامه بعدم تجهيز مركز متعدد الاختصاصات أحدث منذ حوالي 10 سنوات.

نقطة ضوء

وقال يوسف العكرمي إن هذه الجماعة، المحاذية لمدينة مراكش، تظهر بها بين الحين والآخر مبادرات فردية، من قبيل تكوين فريق فني للكورال من تلاميذ مدرسة سيدي موسى، مشيرا إلى أن هذا الفريق يتلقى تداريبه بمأوى للبهائم، تحت إشراف الأستاذ إسماعيل بن عطية، وتُوج في حفل إسدال الستار عن خطاب العرش بولاية مراكش سنة 2017.

وعلى المستوى الرياضي، حقق العداء طه الراوي إنجازا مهما، حيث اقترب من تحقيق الحد الأدنى في سباق الـ 5000 م، في سباق نظم مؤخرا بمدينة الرباط، وهو يعمل جاهدا لتحقيق هذا الحد للمشاركة في سباق نيروبي بكينيا. وقال عنه والده ومدربه حسن الراوي: “هذا البطل صناعة خاصة، تمت بمجهودات ذاتية، باعتباري ممارسا لسباق العدو الريفي، مما أهلني للإشراف على تدريب ابني في فضاءات بمقاطعة سيدي يوسف ومدار سيدي عمارة بمقاطعة القصبة”.

ملاعب بعشب اصطناعي

في تصريح لهسبريس، أوضح الحسين الشهراوي، المدير الجهوي لوزارة الشباب والرياضة بجهة مراكش آسفي، أن هذه الإدارة برمجت فضاءات رياضية بدواري تكانة والحركات، بشراكة مع مؤسسة “العمران”، لإطلاق مشاريع ملاعب للقرب بالعشب الاصطناعي، ينتظر الانتهاء من أشغالها نهاية شهر يوليوز المقبل.

في المقابل أكد عزوز بوجميد، المدير الجهوي للثقافة بجهة مراكش آسفي، قائلا: “نحن لا نتوفر على أي مشروع بخصوص المركبات الثقافية بجماعة تسلطانت.

فيما امتنع رئيس جماعة تسلطانت، عبد العزيز درويش، عن الرد على اتصالات هسبريس، التي كانت ترمي إلى الحصول على رأيه بخصوص انتظارات شباب هذه المنطقة التي يدير شأنها منذ زمان.

hespress.com