لا تتفق لغة الحماس، في كثير من الأحيان، مع لغة العقل، فبينما يواصل الفلسطينيون بغض النظر عن انتماءاتهم خوض معركة غير متكافئة مع إسرائيل، التي يعتبرها البعض غير موجودة، إذ يتم قصف الأرض بمن عليها بطائرات وصواريخ مرعبة، يواصل أولائك الذين لا يخسرون أي شيء في هذه المعركة التغرير بـ”المقاومة” في حرب قد تقضي على آخر أمل في السلام، والسلام هو ملجأ “العقلاء”.

تواصل الطائرات الإسرائيلية عملية التنكيل بأجساد الفلسطينيين، ودك الجثث تحت الأنقاض، أمام أنظار العالم، دون رادع، وتتسابق وسائل الإعلام في الدعاية للقصص الإنسانية التي تقشعر لها الأبدان، إذ يلقى الأطفال الفلسطينيون الأبرياء حتفهم تحت الأنقاض.. عن أي “انتقام” يتحدث “دعاة الحرب” وعدسات التلفزيون تنقل صرخات النساء الفلسطينيات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن، وأزواجهن، في حرب لا ترحم؟..

ماذا يخسر “المتحمسون” للحرب سوى أنهم يستهلكون كميات كبيرة من صبيب الأنترنيت، والكهرباء، للتفرج ببرودة دم على مشاهد منازل يتم تدميرها عن آخرها، أمام عجز واضح لمجلس الأمن عن إصدار أي قرار يوقف المهزلة؟ أليس الظلم ظلمان، ظلم العدوان وظلم التغرير؟.. ألا تقتضي المسؤولية عدم إعطاء الشرعية لما تدعي إسرائيل أنه رد فعل ضد تهديد أمنها؟.. أليست المزايدات تكريسا للهزيمة في الأرض والسماء؟.

الطائرات الإسرائيلية تحلق فوق فلسطين، وتمتلك ما يكفي من الذخيرة للاستمرار في الحرب عدة شهور، بينما لا تمتلك غزة المسكينة القدرة على تقديم العلاج لكافة المصابين، والجرحى، وجسدها المنهك بالإيديولوجيا لن يتحمل المزيد من الألم بالتأكيد.. وكل ما تفعله بعض الدول والأطراف المحسوبة على صف دعم القضية الفلسطينية هو تصعيد الخطاب، دون أي مجهود على أرض الواقع، لأن الخطاب يغازل عواطف الشعوب، بينما المجهودات الملموسة تتطلب تضحية حقيقية من أجل إيصال المساعدات إلى من يحتاجها، في انتظار اقتناع كافة دول العالم بعدالة قضية الشعب الفلسطيني.

المتحمسون لا يخسرون شيئا، ويراهنون على عواطف الجمهور للدعاية لمشروعهم، لكسب التعاطف؛ بينما المعركة تحتاج تحالفا دوليا كبيرا، وأموالا كثيرة، ووحدة في الجيوش والعتاد..وما دون ذلك فلن يشكل إلا حطبا لمزيد من التشرذم في الصف العربي والصف غير العربي المساند لحقوق الشعب الفلسطيني.

حتى هذه اللحظات تواصل الأم بكاءها، ويتواصل الأنين تحت الأنقاض، التي لا سبيل لاستخراج عشرات المحاصرين تحتها، وما يقوم به البعض هو المزيد من صب الزيت على النار، بينما لا سبيل لإيقاف هذه الحرب إلا معركة دبلوماسية قوية، تلعب فيها الدول العاقلة دورا كبيرا لحث مجلس الأمن على الضغط على إسرائيل لإيقاف غاراتها الجائرة. كما يمكن الالتفاف حول دول مثل المغرب لقيادة مبادرة لإيقاف مسلسل التصعيد على الميدان، لتفادي مزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات.

إن الحل الأسلم والأكثر واقعية حتى الآن هو ما يدعو له المغرب عبر “نداء القدس”، حيث يأمل العقلاء “أن تكفل داخل المدينة المقدسة حرية الولوج إلى الأماكن المقدسة لفائدة أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، مع ضمان حقهم في أداء شعائرهم الخاصة فيها، بما يجعل القدس الشريف تصدح بدعاء جميع المؤمنين إلى الله تعالى، خالق كل شيء، من أجل مستقبل يعم فيه السلام والأخوة كل أرجاء المعمور”.

إن الحل هو التشبث بالمقاربة الواقعية، بدل الحماس الزائد، المؤدي إلى الهاوية، والعالم كله مستعد للوقوف إلى جانب الفلسطينيين، فلا أحد يقبل أن تتم استباحة أجساد الأطفال والنساء والمدنيين العزل، بكل هذه البشاعة، شرط عدم توفير المبررات لغارات إسرائيل، التي تتجه نحو عزل نفسها داخل عالم يشترط “السلام أولا”.. كما أن غزة الآن في حاجة إلى الإغاثة أولا، وهذا ما تفعله المملكة المغربية، التي تترأس لجنة القدس، دون مزايدات.. في انتظار جلوس الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة الحوار.

hespress.com